للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - في الحج والعمرة عامة النساء يكُنَّ مع محارمهن وذويهن، ومن لم تكن كذلك أو لم يكن كذلك يجد نفسه في هذا الجو، فتضعف التهمة، ثم من يقصدون الكعبة يأتون راجين الأجر والمثوبة فاعلين للقربة لا يجمعهم حديث مشترك وأشجان متبادلة، بل كُلٌ في شأنه يناجي ربه، يسبح بحمده، يستغفره ويعلن توبته، أما في الجامعات المختلطة فلا يأتي الطالب أو الطالبة مع محرم! ولا يطلبون ما عند الله، ولا يبتغون ثواب الله، وليس في قلوبهم تعظيم بيت الله، ولا قلوبهن ملئت مهابة من حرم الله! فكيف يجعل هذا كهذا! ولمّا كانت هذه المعاني ضعيفة في بعض المواطن التي تدعو الحاجة إلى دخولها وليس فيها ما في تلك التي جاء بها التشريع من الحواجز التي تحول بين الناس والفتنة كانت أبغض البقاع عند الله كالأسواق (١) التي قد يختلط فيها الحابل بالنابل وإن كان لحاجة، على أن واقع الأسواق غير مقر شرعاً كله إلاّ ما انضبط بقيود الشريعة، وما خالفها يحتج له لابه، بل ليس كل ما يقع في الحرم مقر شرعاً.

الحرص على منع الاختلاط عند الطواف في العهد الأول:

ومع ما سبق يقال لهؤلاء: كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم كما في البخاري، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت انطلقي عنك وأبت .. " (٢)، وهذا نص على أن الفاضلات لم يكن يخالطن الرجال في الطواف.

والناظر في فتوى القرون المختلفة، وما قاله أهل العلم، وما فعله بعض الولاة يجد مراعاة المنع من ذلك الاختلاط بينة، قال ابن جبير في رحلته: "وموضع الطواف مفروش بحجارة مبسوطة كأنها الرخام حسناً، منها سود وسمر وبيض قد ألصق بعضها ببعض، واتسعت عن البيت بمقدار تِسْعِ خُطاً إلاّ في الجهة التي تقابل المقام، فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به.

وسائر الحرم مع البلاطات كلها مفروش برمل أبيض، وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة " (٣)، ونحوه ذكر البلوي (٤) وابن بطوطة (٥)، وهذا يدلك على أن العمل القديم الذي تتابعت عليه عصور أهل الإسلام جرى قروناً طوالاً على الفصل بين الطائفين والطائفات، فقد كانت رحلة ابن جبير إلى مكة من الأندلس عام ٥٧٨هـ، ورحلة ابن بطوطة وخالد البلوي بعده بنحو قرنين إلاّ ثلاثة عقود.

وربما جعل الولاة بعض يوم للنساء خاصة، تيسيراً للطواف عليهن، وتمكيناً لهن من أن يصلن البيت دون مخالفة للشريعة، ونحو هذا مذكور في بعض كتب أخبار مكة والمناسك (٦).


(١) ينظر صحيح الإمام مسلم (٦٧١).
(٢) صحيح البخاري ٢/ ٥٨٥ وغيره.
(٣) رحلة ابن جبير ص٦٣، ط داري صادر وبيروت، ١٣٧٩.
(٤) ينظر: تاجُ المَفْرِق في تحلية علماء المشرق، لخالد بن عيسى البلوي، ١/ ٣٠٤، بتحقيق الحسن السائح، ط صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المغرب والإمارات.
(٥) رحلة ابن بطوطة ١/ ١٢٨، المكتبة العصرية مع غيرها، ١٤٢٥.
(٦) كرحلة ابن جبير، وقد كانت في ذلك العهد مرة في العام، تنظر رحلته ص١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>