للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر الأزرقي أن خالد بن عبد الله القسري أول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف، وأجلس عند كل ركن حرساً معهم السياط، يفرقون بين الرجال والنساء (١). وأن ذلك استمر إلى زمانه، ولعل المراد هو أن خالداً أول من فرق بإلزامه وعقابه المخالف، وإن كان جريان العرف بذلك وتمسك الصالحات به مأثور من لدن عهود الصحابة المرضيين كما في أثر عائشة رضي الله عنها الماضي، وحمل بعض أهل العلم هذا على احتمال أنه فعله وقتاً ثم تركه (٢) لما ورد في البخاري من إنكار عطاء على ابن هشام منعه طواف النساء مع الرجال وسيأتي بيانه، ويحتمل أنه فعل مدة ولايته ثم اختلطت الأمور بعده إلى عهد ولاية ابن هشام على مكة.

ونقل ابن جماعة في هداية السالك أن عمر رضي الله عنه نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فدخل المسجد ذات يوم، فإذا هو برجل يطوف مع النساء، فأقبل عليه ضرباً بالدِّرَّة، وقال: ألم أنْهَ عن هذا؟

قال: ما علمت.

قال: أما بلغك عزمي؟

قال: ما بلغني لك عزمة.

قال: دونك فأمسك -يعني فاقتص.

قال: ما أنا بفاعل (٣).

فإن صح هذا فلعل عمر رضي الله عنه جعل لهن وقتاً ليس للرجال فيه نصيب، ويحتمل أنه طاف في موضعهن من المطاف.

كشف شبهت من استدل بإنكار عطاء على ابن هشام:

وأما ما رواه البخاري: "قال ابن جريج أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام (٤) النساء الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال! قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكنَّ يخالطن. كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت انطلقي عنك وأبت .. " (٥)، فنص على أنهن لم يكن يخالطن الرجال.


(١) روى معناه بطريقين في أخبار مكة ٢/ ٢٠ - ٢١، عن سفيان بن عيينة.
(٢) فتح الباري، لابن حجر ٣/ ٤٨٠.
(٣) ينظر هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك، لابن جماعة، ٢/ ٨٦٦، وقد عزاه لسعيد بن منصور، ولم أقف عليه.
(٤) يحتمل اثنين، قال ابن حجر: "ابن هشام هو إبراهيم، أو أخوه محمد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، وكانا خالي هشام بن عبد الملك، فولى محمداً إمرة مكة، وولي أخاه إبراهيم بن هشام إمرة المدينة، وفوض هشام لإبراهيم إمرة الحج بالناس في خلافته" الفتح ٣/ ٤٨٠.
(٥) صحيح البخاري ٢/ ٥٨٥ وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>