للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول كذلك: «إنَّ السلوك الثقافي المعاش يظل مشدوداً إلى التصنيف الثنائي المفصول بين حدوده بشكل حاد وكامل، سلوك يعتمد على تصنيف الرؤى والمعتقدات، بل وحتى وجهات النظر العابرة التي تتصل بالواقع المعاش سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى ثنائية الحق والباطل، فالحق ما نحمله وندين به، والباطل ما يدين به أو يعتقد به مخالفنا، وتبعاً لذلك يتم تصنيف الناس إلى متبعين ومبتدعين، وإلى ملتزمين وغير ملتزمين، وإلى ضُلاَّل ومؤمنين، وإلى عقائد صحيحة وعقائد ضالة، ليصل الإنسان المبرمج على ثقافة القطع في الحلقة الأخيرة من سلسلة العنف والإقصاء إلى تصنيف الناس إلى مسلمين وكفار، ومن ثم الوصول إلى ما يترتب على تلك الحلقة الأخيرة من ضرورة التخلص من شوائب الكفر والضلال بما فيها ممثلوه ليبقى الإسلام الخالص المتماهي معه من قبل من تبرمجوا على تلك الثقافة حاضراً وفق رؤية خاصة وتخريج خاص للإسلام، لا على أنه الإسلام نفسه كما أنزله الله تعالى على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام» (١).

ثم يستكمل أبا الخيل حديثَه داعياً إلى نشر ثقافة الشك، فيقول: «لذا لا بد للإنسان - ولا يتأتى ذلك له للأسف غالباً إلا في العيش في جو ثقافي فلسفي - أن يشك ولو مرة واحدة، وهذا الشك لا أعني به الشك المدمر، أو الشك الدوغمائي بطبيعته، أو الشك لمجرد الشك، بل إنه شك يجد له جذوراً من داخل المنظومة الإسلامية نفسها، إذ نجد أبا حامد الغزالي يقول وهو في أوج مرحلة من حياته الفلسفية: "من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال" كما كان يقول: "الشك أولى مراتب اليقين" إنه شك يأتي بالذات من مراعاة نسبية الحقيقة على المستوى الاجتماعي والثقافي بوجه عام، شك يعطي دفعاً للشاك أن لا يتحمس أو يتمعر وجهه أو تنتفخ أوداجه عندما يتعايش مع من يخالفه توجهاته، إذ إن هذا الشك يتيح لذلك الإنسان الشاك استحضار تساؤلات من قبيل: ولماذا لا تكون وجهة نظر فلان هي الصواب؟ أو لماذا لا تكون تلك الرؤية أو ذلك التأويل أو التفسير أو التخريج لذلك الفرد أو الجماعة أو الفرقة تحمل على الأقل شيئاً من الصحة في باطنها؟ ولماذا مثلاً لا تكون الرؤية التي أحملها أو تلك التي حُمِّلتها ليست قاطعة ويشوبها الشك وعدم اليقين؟ في مثل ذلك الجو الثقافي المشبع والمربى على نسبية الحقيقة - النظرية على الأقل - لا يملك الإنسان إلا أن يكون متسامحاً مع غيره؛ لأنه لا يحمل اليقين على قطعية ما تناهى إليه نظره، وما برمجته عليه ثقافته طوال عمره» (٢).

ويقول عبد الله بن بجاد العتيبي مقرراً ذات المبدأ: «إذًا فلا بد كمنطلق لعملية التنوير والإصلاح أن يدخل الشك في آلية العقل العربي الإسلامي الحالي أن يشك في قضية جوهرية "هل هو قادر على العمل الآن؟ هل آلياته ومناهجه ومنظومته المعرفية صالحة للتعامل مع الزمن الراهن» (٣).


(١) من مقال له بعنوان: (لنشك حتى لا نقع في شر قطعياتنا) جريدة الرياض، الأحد ١٩ صفر ١٤٢٧هـ - ١٩ مارس ٢٠٠٦م، العدد ١٣٧٨٢.
(٢) المصدر السابق.
(٣) جريدة الوطن، العدد: ١٧٢٧، بتاريخ: ٢٢/ ٦/٢٠٠٥ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>