للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إبراهيم البليهي فيرى أنَّ (نسبية الحقيقة) هي من الأمور البدهية، فيقول: «من البدهي أنه لا يوجد إنسان يمتلك كل الحقائق امتلاكاً كاملاً، وإنما يتمسك كل فرد بما يظنه كذلك فينتقي من النصوص والبراهين والمواقف والأحداث ما يُقنع به ذاته ويستمر على انتقائيته، حتى تضطره المواقف المغايرة الضاغطة في أن يعيد فحص أفكاره، فإذا وضع كل طرف أفكاره تحت مجاهر التحليل اقترب الجميع من لب الحقيقة تحت أضواء المكاشفة الاضطرارية المتبادلة» (١).

ويقول الكاتب يوسف أبا الخيل: «فإن المتعصب عندما يقوم بإدراك موضوع ما (رؤية عقدية مثلا) إدراكاً إيجابياً متعاطفاً معها فإنه لا يأخذها على أنها مجرد أحد المعطيات النسبية للحياة الإنسانية، أو أنها مجرد رأي ينضاف إلى آراء أخرى عديدة لكل منها الحق في خوض غمار تأويله الخاص لذلك الموضوع المثار، لا بل إنه حينما يدركها إدراكاً إيجابياً محباً فسينظر إليها باعتبارها حقيقة وحيدة كاملة ناصعة البيان دامغة الحجة لا تضاهيها حقيقة أخرى في تماهيها مع المطلق، أما عندما يدركها في جانبها السلبي (رؤى الآخرين المخالفة) فسيراها ثاويةً في أقصى يسار الحقيقة عارية من كل ما يمت إليها بصلة، متفاصلة مع كل ما يتصل بالخير أو الجمال أو الفاعلية أو الإبداع الإنساني مفاصلة نهائية لا رجعة فيها، ويترتب على تلك النظرة (اللاواعية) أنه سيعتبر كل من يشاركه الإدراك بجانبيه (الإيجابي تجاه رؤيته المذهبية والسلبي تجاه رؤى الآخرين) فهو السعيد سعادة لن يشقى بعدها أبدا، بنفس الوقت الذي يرى فيه كل من لا يشاركه إدراكه ذلك على أنه هالك لا محالة» (٢).

ويقول - أيضاً -: «يأتي التعصب الديني كما المذهبي على رأس الأسباب التي تهوي بالإنسان سريعاً إلى مرحلة الوحشية البشرية التي تحدث عنها هوبز، إذ أن هذا التعصب يتخلق بداية في رحم آحادية الفكر الناتج من انعدام التعددية الفكرية والدينية، مما يؤدي إلى قناعة الإنسان بأن دينه أو مذهبه هو الوحيد المتوافر على كلية الحقيقة وما سواه من الأديان أو المذاهب فلا تمتلك ذرة يقين أو حقيقة، وهذه هي البذرة الأولى للعنف، أما سقيا هذه البذرة فيأتي من اليقين التام الذي يتوافر عليه الإنسان الآحادي جراء انعدام فضيلة "نسبية الحقيقة" بأن عليه واجب إدخال الآخرين في حمى يقين دينه أو مذهبه، ولكن لأن من يخالفونه دينه أو مذهبه كُثُر ولا طاقة له بالتالي بهدايتهم ولأن معظمهم مرتدون عن الإسلام في نظره فلا عذر له عند ربه سوى إزهاق أرواحهم لزفهم إلى نار جهنم وبئس المصير» (٣).

ويقول محمد المحمود: «تحرير وعي الأفراد ومن ثم إرادتهم كفيل بتحرير وعي الإنسان- المجتمعي. فضلا عن كوننا لا نمتلك تغيير المجتمعي إلا من خلال الفردي، أي خضوع لشروط الواقع، وخضوعا لشرط الصوابية النسبية التي نرتادها» (٤).

* رابعاً / انتشار القول بالنسبية:


(١) من مقال له بعنوان: (إنكار الانتقائية أحد منابع الجهل) جريدة الرياض، الأحد ٢٦ صفر ١٤٢٢هـ - ٢٠ مايو ٢٠٠١م، العدد ١٢٠١٨.
(٢) من مقال له بعنوان: (سيكولوجية التعصب) جريدة الرياض، السبت ١٨ ذي القعدة ١٤٢٧ هـ - ٩ ديسمبر ٢٠٠٦م، العدد ١٤٠٤٧.
(٣) من مقال له بعنوان: (حالة الطبيعة الوحشية) جريدة الرياض، الأربعاء ١٠ شوال ١٤٢٧هـ - ١ نوفمبر ٢٠٠٦م، العدد ١٤٠٠٩.
(٤) من مقال له بعنوان: (الإرادة الإنسانية .. المستقبل يصنعه الإنسان) جريدة الرياض، الخميس ٩ ذي القعدة ١٤٢٧هـ - ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٦م، العدد ١٤٠٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>