للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتلا عليه الحسن قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إلى قوله {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (١) بين الحسن أنهما اجتهدا وأصاب سليمان ثم مدحهما الله -عز وجل- فكان المراد من قول علي - رضي الله عنه - من لم يكن من أهل الاجتهاد وفي محل ليس هو محل للاجتهاد والله أعلم.

ثم ذكر (عن قتادة (٢) عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: لا ينبغي للقاضي أن يقضي حتى يتبين له الحق كما يتبيّن الليل من النهار؛ فبلغ ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: صدق أبو موسى) وإنما قال ذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ على الشاهد ذلك فإنّه قال "إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع (٣) ومتى كان هذا مأخوذًا على الشاهد فعلى القاضي أولى، لأن القضاء في كونه حجة فوق الشهادة فإن الشهادة لا تكون حجة بنفسها بل بانضمام القضاء إليها، ولا كذلك القضاء فإنه حجة بنفسه، فاشتراط ما ذكرنا على الشاهد تنبيه على اشتراطه على القاضي بطريق الأولى (٤). ولكن هذا في محل النص لأنّ النص دليل مقطوع به فيظهر به الحق كظهور الليل من النهار، فأما في محل الاجتهاد فلا يكون كذلك لأن الاجتهاد لا يوصل إلى الحق لا محالة، فإن المجتهد يخطئ ويصيب.

ثم ذكر (عن الشعبي قال له رجل: اقض بيننا بما آراك الله! فقال الشعبي: لست تراني قاضيًا) قوله "بما آراك الله (٥)، بما علّمك الله وهداك، وأمرك الله تعالى أمره بالقضاء بالحق (٦). وقول الشعبي "لست تراني قاضيًا فتكلّموا فيه من ثلاثة أوجه (٧)، قال بعضهم: إنك تراني من المجتهدين الذين يصيبون الحق باجتهادهم لا مُحالة وهم الأنبياء، ولست كذلك فإنّي قاضٍ أُخطئ وأصيب، فأنت بهذا القول لا تراني قاضيًا بل نبيًا. وقال بعضهم معناه: لست تراني قاضيًا لك لأنك تطلب مني ما لا طريق لي إليه (٨) وهو إصابة الحق لا محالة بالاجتهاد. وقيل معناه لست تراني قاضيًا بعد هذا فإني لا أجلس مجلس القضاء بعد


(١) آية رقم ٧٨ - ٧٩ من سورة الأنبياء.
(٢) وكان في الأصلين إلى قتادة والصواب قتادة على ما في السعيدية.
(٣) وفي س وداود عليه السلام كان مجتهدًا وسليمان عليه السلام اجتهد فأصاب وقد مدحهما الله تعالى بقوله {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فبين له الحسن بهذا إنما قال علي - رضي الله عنه - فيمن لم يكن من أهل الاجتهاد أو اجتهد في غير محل الاجتهاد هذا هو التوفيق بين الحديثين.
(٤) و (٥) بين الرقمين وفي س "وولاية القضاء فوق ولاية الشهادة، لأن القضاء ملزم بنفسه والشهادة غير ملزمة بنفسها حتى ينضم إليه القضاء، فإذا أخذ هذا على الشاهد كان على القاضي بطريق الأولى".
(٦) ما بين المربعين زيادة من س.
(٧) وفي س "تكلموا فيه على ثلاثة أوجه".
(٨) وفي س "إلى التوصل إليه".

<<  <   >  >>