للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبل أن يلي القضاء ثم ولي أو علمه بعدما ولي في مصره الذي ولي القضاء به في مجلس قضائه أو في غير مجلسه أو علمه بعدما ولي القضاء لكن في غير مصره الذي هو قاضي فيه بأن كان في مصر آخر أو خرج من مصره لتشييع جنازة أو إلى ضيعة ففي الوجه الأول عند أبي حنيفة لا يقضي بعلمه في شيء ما وهو فيه بمنزلة شاهد وقال أبو يوسف ومحمد يقضي بعلمه في جميع ذلك ما خلا حد الزنا والسرقة والشرب والسكر) وهي مسألة معروفة (ذكر ابن كأس النخعي (١) في أدب القاضي له أن قول محمد الأول مثل قول أبي يوسف في القضاء بالعلم) على ما حكيناه هاهنا (وفي قوله الأخير لا يقضي القاضي بعلمه لحال) سواء استفاده قبل القضاء أو بعده في مصره أو في غير مصره وكذا رأيت قول محمد في مختصر من شرح أدب القاضي للخصاف الذي شرحه الجصاص رحمهم الله (وفي الوجه الثاني يقضي بعلمه في قولهم جميعًا في جميع ما كان من حقوق العباد مما يثبت مع الشبهات كالأموال وتوابعها وما لا يثبت مع الشبهات كالقصاص وحد القذف فأما ما كان من خالص حقوق الله -عز وجل- كما ذكرنا من الحدود في الوجه الأول فإنه لا يقضي فيه بعلمه بالإجماع) لأنّ كل الناس في حقوق الله سواء وغير القاضي لو عاين ذلك لم يكن له إقامة الحق كذلك القاضي إلّا أنّ القاضي متى عاين الزنا أو رأى آثار السكر فإنه يضربه على أنه تعزير وتأديب لا على أنّه حد (وأما الوجه الثالث فقد ذكره الخصاف وجعله على الاختلاف المذكور في الفصل الأول) واختلف المشائخ على قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - فيما علمه القاضي في سواد مصره ونواحيه وذلك ما إذا خرج إلى ضيعة أو لتشييع جنازة فقال بعضهم هو على الاختلاف وتأويل ما قاله الخصاف في هذا الفصل إذا لم يكن قضاء السواد والنواحي إلى هذا القاضي حتى لو كان وليّ ذلك مع المصر فعلم منه شيئًا فإنّه يقضي به كما في علمه في المصر لعلّة ذكرها في التدليل. وقد دلّ هذا التأويل على أنّ من ولي قضاء مصر لا يدخل سواده ونواحيه في ولايته ما لم ينص على ذلك وهذا القول ذكره شمس الأئمة الحلواني وقال بعضهم لا بل ما علمه في سواد مصره ونواحيه لا يقضي به وإن كان مولى لقضائه نصًا فعلى هذا القول جعل المصر شرطًا لنفاذ القضاء لأنه من أعلام الدين بمنزلة الجمعة والعيدين


= في كتاب أدب القاضي إلى أن المصر شرط لنفوذ القضاء، وهكذا ذكر الخصاف هنا وروى أبو يوسف في الإملاء أن المصر ليس شرط ثم أبو يوسف ومحمد يحتجان على أبي حنيفة أرأيت أن رجلًا ليس بحاكم رأى رجلًا يغصب رجلًا مالًا وهو يقدر على أن يمنعه من ذلك ولم يفعل أيسعه ذلك وكيف الحاكم الذي يقدر أن يرد على هذا ما غصب منه وقد علم بذلك قبل القضاء فينبغي أن يأخذ منه ويرد على هذا إلخ.
(١) هو علي بن محمد بن الحسن بن كأس النخعي الكأسي الكوفي القاضي أبو القاسم المتوفى سنة ٣٢٧ رحمه الله.

<<  <   >  >>