للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله عَزَّ وَجَلَّ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (١) أي أمر وهو في عرف لسان الشرع عبارة عن فصل الخصومات وقطع المنازعات.

وأما معرفة أهله فلا ينبغي لأحد أن يتقلّد القضاء ولا لغيره أن يقلده ما لم يكن عالمًا بالكتاب والسنّة واجتهاد الرأي، بين ذلك بالسنّة والمعقول.

أما السنّة فحديث مُعاذ رضي الله عنه حين وجَّهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢) إلى اليمن قاضيًا قال له: بم تحكم يا معاذ؟ قال بكتاب الله! قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنّة رسول الله! قال: فإن لم تجد؟ قال أجتهد فيه رأيي! فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِه لما يرضى به رسوله (٣).

وأما المعقول فلأنه مأمور بالقضاء بالحق والحكم بالمنَزَّل.

قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (٤).

وقال عز من قائل {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (٥) ولا يتهيّأ له ذلك ما لم يكن عالمًا بما ذكرنا.

أما اجتهاد الرأي فلأن الحوادث ممدودة والنصوص معدودة فلا تجد (٦) في كل حادثة نصًا يفصل به الحكم (٧) فيحتاج إلى استخراج المعنى من المنصوص عليه ليثبت مثل حكمه في غير المنصوص عليه.

أما الكتاب والسنة فلأن اجتهاد الرأي إنما يكون حجة متى لم يخالف أحدهما، ولن يعلم أنه لم يخالف أحدهما ما لم يكن عالمًا بهما، فصار العلم بالجملة شرطًا ليمكنه القيام بالمأمور به (٨) وقد شرط الخصاف (٩) رحمه الله شرطًا آخر وهو العدالة (١٠) وهو قول


(١) آية رقم ٢٣ من سورة الإسراء.
(٢) وفي س "ثبت ذلك بالنص والمعقول، أما النص فما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لما بعث معاذًا".
(٣) رواه الشيخان.
(٤) آية رقم ٣٦ من سورة ص.
(٥) آية رقم ٤٩ من سورة المائدة.
(٦) وفي س "فلا يجد القاضي".
(٧) وفي س "يفصل به الخصومة".
(٨) وفي س "وإنما يمكنه ذلك إذا كان عالمًا بالاجتهاد، ثم الاجتهاد إنما يكون حجة إذا لم يكن مخالفًا للكتاب والسنة، وإنما يمكنه أن يعرف أنه لم يخالف الكتاب والسنة إذا كان عالمًا بالكتاب والسنة، فصار العلم بهذه الجملة شرطًا".
(٩) وكان في ص - م "الجصاص" اشتبه على الكاتب.
(١٠) وفي س "وذكر الخصاف شرطًا آخر وهو أن يكون عدلًا".

<<  <   >  >>