للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشافعي رحمه الله، لكنه من الشافعي شرط لازم كاشتراطه العدالة في الشاهد حتى قال: لا يجوز تقليد غير العدل ولو قلّد لا يصير قاضيًا ولو قضى لا ينفذ قضاؤه؛ وهو من الخصاف محمول على الأولى، كما في الشهادة الأولى أن يكون عدلًا على أصول أصحابنا، فإن قضى القاضي بشهادة الفاسق نفذ القضاء وكذا القاضي نفسه (١).

وأما بيان من يجوز تقلّد القضاء منه فلا بأس بذلك من جهة الإِمام عادلًا كان أو جائرًا، أما العادل فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا - رضي الله عنه - إلى اليمن قاضيًا، وولى عتاب بن أسيد - رضي الله عنه - على مكة أميرًا وأما الجائر فلأن كبار الصحابة تقلدوا الأعمال من معاوية - رضي الله عنه - بعد إظهاره الخلاف على علي - رضي الله عنه - وكان الحق مع علي - رضي الله عنه - في نوبته. لكن إنما يجوز ذلك إذا كان يمكنه من القضاء بحق، أما إذا كان لا يمكنه فلا، لما روي عن الحكم بن عمرو الغفاري - رضي الله عنه - أنه تقلّد القضاء من معاوية - رضي الله عنه - فأتاه كتاب معاوية وكان فيه "إن أمير المؤمنين يأمرك أن تصطفي له الصفراء والبيضاء" فقال الحكم سبق كتابُ الله كتابَ معاوية، وتلا قوله -عزّ وجل- {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ثم صعد المنبر وقال: أيها الناس أتاني كتاب أمير المؤمنين يأمرني أن أصطفي له الصفراء والبيضاء وأن كتاب الله -عزّ وجل- سبق كتاب معاوية ألا وإني قاسم ما أفاء الله عليكم بينكم فليقم كل واحد منكم فليأخذ حقه؛ ثم قال: اللهم. اقبضني إليك! فما عاش إلا قليلًا.

أما الكلام في صفة الدخول في القضاء قال بعضهم: لا بأس به عن اختيار لأن الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فعلوا ذلك ولأنّه نيابة عن الأئمة الراشدين في إيفاء الحق وإقامة الحدود وكف الظالم، فجاز الدخول فيه مطلقًا. وقال بعضهم: لا يجوز الدخول فيه إلَّا عن كره، ولهذا دعي أبو حنيفة - رضي الله عنه - إلى القضاء فلم يجب حتى ضُرب ثلاث مرات في كل مرة (٢) ثلاثين سوطًا فقال في الثالثة:


(١) والعبارة في س من قوله "وهو قول الشافعي" إلى هنا هكذا: "وهو مذهب الشافعي إلَّا أن الشافعي شرط العدالة أن تكون شرطًا لازمًا حتى لو تقلّد القضاء وهو غير عدل لا يصير قاضيًا ولو قضى لا ينفذ قضاؤه، وجعل الخصاف العدالة شرط الأولوية، فإن الأولى أن يكون القاضي عدلًا كما أن الأولى أن القاضي لا يقضي بشهادة الفاسق ومع هذا إذا قضى بشهادة الفاسق ينفذ قضاؤه وكذلك هاهنا الأولى أن لا يتقلد الفاسق القضاء ومع هذا إذا تقلّد يصير قاضيًا، ولو قضى ينفذ قضاؤه".
(٢) وفي س العبارة من قوله: أما الكلام في صفة الدخول .. إلخ، هكذا: "وأما جواز الدخول في القضاء اختلفوا فيه، منهم من قال: يجوز الدخول فيه مختارًا، لأن الأنبياء والرسل والخلفاء الراشدين اشتغلوا به، ولأن هذا نيابة عن الخلفاء الراشدين وإقامة حدود الله تعالى، فيجوز الدخول فيه مختارًا، ومنهم من قال: لا يجوز =

<<  <   >  >>