للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاضيًا خوصم إليه في أمر من الأمور يذهب في ذلك إلى مذهب وفيه اختلاف بين العلماء فنسي مذهب نفسه وقضى بغيره مما قاله بعض العلماء في ذلك قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - قضاؤه ماضٍ نافذ إذا كان الذي قضى به مما قد جاء فيه الأثر) وإنما شرط ذلك كيلا يكون ذلك القول مهجورًا لأنّ كل قول مهجور لا يجوز القضاء به أصلًا (وقال أبو يوسف رحمه الله لا ينفذ قضاؤه بذلك إذا كان خلاف رأيه) قال رحمه الله وذكر الإمام القاضي أبو الحسن علي السغدي والشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمهما الله في شرح هذا إلا الكتاب قول محمد مع أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال القاضي الإمام أبو الحسن هذا وهذه المسألة بناء على اختلافهم في مسألة ذكرناها في الباب الرابع من هذا الكتاب وهو باب اجتهاد الرأي في القضاء وذلك أن القاضي إذا كان يرى في الحادثة رأيًا فيتركه عمدًا وحكم برأي غيره من الفقهاء قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - ينفذ حكمه وقال أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما لا ينفذ وجه قولهما إن كل امرئ مؤاخذ بما عنده وبما في زعمه وفي زعمه أن رأي غيره خطأ ورأي نفسه صواب فكان عاملًا بالخطأ في زعمه والخطأ مردود (واستشهدا لذلك بمسائل فيها متوضئ اقتدى بمتيمم فرأى الماء في أثناء الصلاة والإمام لا يراه فسدت صلاة المأموم دون الإمام اعتبارًا لزعمه في حقه ومنها إذا كان على ثوب الإمام نجاسة تزيد على قدر الدرهم فرآها المأموم والإمام لا يعلم بذلك فصلاة المأموم فاسدة بناءً على زعمه دون صلاة الإمام أعني به أن الإمام إذا لم يعلم بذلك لا يخاطب بالقضاء والمأموم يخاطب ومنها إذا ظن المأموم قيام النجاسة بثوب الإمام ولم يكن كذلك فسدت صلاته كما زعمه ومنها إذا كان على الإمام فوائت حديثة نسيها حال اشتغاله بهذه الصلاة والمأموم يعلم ذلك فصلاة الإمام جائزة وصلاة المأموم فاسدة كل ذلك اعتبارًا لما استولى على رأيه واستقر في زعمه كذلك هاهنا) وجه قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - أن حكمه صادف محل الاجتهاد


= الكتاب فيمن قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائن والقاضي ممن يرى أن ينوي في ذلك كما هو مذهبنا فجعلها ثلاثًا وأبانهما منه ثم تبين له مذهبه قال أبو حنيفة يمضي القضاء وقال أبو يوسف ومحمد لا يمضي والزوج خاطب وهما يقولان إنه قضى بما هو باطل عنده فلا ينفذ كالمتوضئ إذا اقتدى بالمتيمم ثم رأى الماء في خلال الصلاة فسد اقتداؤه لأنّ عنده أن الإمام على الخطأ وكذلك المقتدي إذا رأى على ثوب الإمام نجاسة أكثر من قدر الدرهم وكذا المقتدي إذا ظن على ثوب الإمام نجاسة ولم يكن وكذلك إذا كان على الإمام فائتة حديثة لا يتذكر والمقتدي يتذكر فدل أن العبرة لما عنده وأبو حنيفة يقول بأن هذا القضاء حصل في محل الاجتهاد فوجب أن ينفذ وهذا لأنّ الحادثة إذا كانت مختلفة بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالصواب لا يعدوهم بل بينهم لكن كل واحد منهم يرجح الصواب في رأي نفسه ولا يقطع القول بأن ما أدّى إليه اجتهاد صاحبه خطأ بل يعتقد رجحان جانب الصواب في اجتهاده فلا يتبين أن قضاؤه ذلك خطأ بيقين فلا يكون مردودًا والله أعلم بالصواب.

<<  <   >  >>