للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم ذكر بعد هذا (عن صعصعة بن صوحان قال: خطبنا علي - رضي الله عنه - بذي قارٍ على ظربٍ وعليه عمامة سوداء) وذي قار اسم موضع بقرب مكة، "وظِرب" مكسورة الراء تل، وكان من عادة العرب اختيار التلال والجبال للخطبة ليكون أبلغ (١) في الإسماع ولذا تحدث في زماننا المنابر (٢)، وتعمم بعمامة سوداء اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يوم فتح مكة تعمّم بعمامة سوداء (٣) وعصب عليها عصابة حمراء عاد الحديث (فقال: سمعت (٤) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "ليس من وال ولا قاض إلَّا يؤتى (٥) به يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ- على الصراط ثم تنشر الملائكة سيرته) [أي صحيفة عمله مع رعيته ومع من تحت يديه أعدل أم جائر] (٦) (فتقرأها على رؤوس الخلائق) [يعني بين الأشهاد كما قال الله تعالى {يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (٧)] (٦) (فإن كان عدلًا نجاه الله -عَزَّ وَجَلَّ- بعدله، وإن كان غير ذلك انتفض به الصراط انتفاضة صار بين كل عضوين من أعضائه مسيرة مئة سنة، ثم ينخرق به الصراط) [أي ينشق، وفي رواية: ينحرف الصراط، أي يميل، والأول أصح] (٦) (فما يتلقى قعر جهنم إلَّا بوجهه وحد جبينه) تكلموا في قوله "يصير بين كل عضوين من أعضائه" من وجهين: قال بعضهم: يعظم أعضاؤه ويغلظ أجزاؤه، فلذلك تبعد مسافة ما بين الأعضاء كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "غلظ جلد الكافر في النار أربعون ذراعًا" وقال عليه الصلاة والسلام "عظم ضرس الكافر في النار مثل أحُد" والمقصود أن يذوق من العذاب بحسبه، وقال بعضهم بل تتفرق أعضاؤه ويتقطع أجزاؤه. وتكلموا في قوله إلَّا بوجهه قال بعضهم (٨): أول ما يعذب منه الوجه لأنه اختار القضاء بالجور للوجاهة في الدنيا فكان المختار للبداية في العذاب الوجه، وقال بعضهم: بل يلقى منكوسًا في جهنم ليكون في الدرك الأسفل من النار منها محل المنافقين لأنّ صنيعه شابهَ صنيعهم فإنه كان مظهرًا أنه يقضي بالعدل وهو جائر في الباطن؛ ورد هذا الحديث أيضًا للتحذير (٩) عن طلب القضاء.

ثم ذكر (عن سفيان بن عيينة عن مجالد بن سعيد عن مسروق قال: "ما من حكم


(١) وفي س "أشهر وأبلغ".
(٢) كذا في الأصلين، وفي س "ولهذا جرت العادة باتخاذ المنابر".
(٣) وفي س "فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على رأسه يوم فتح مكة عمامة سوداء".
(٤) وفي س "ثم قال أيها الناس إني سمعت".
(٥) وفي س "إنه ليس من وال ولا قاض إلَّا ويؤتى".
(٦) زيادة من س.
(٧) آية رقم ٥١ من سورة غافر.
(٨) وفي س "وتكلّموا في معناه على وجهين منهم من قال".
(٩) وفي س "وفائدة الحديث التحذير".

<<  <   >  >>