للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحكم بين اثنين) (١) وفي رواية ما من حاكم (إلا جيء به يوم القيامة وملك آخذ بهذه منه) وأشار سفيان بيده إلى قفاه (ينظر إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- فإن أمره أن يلقيه ألقاه في مهواة سبعين خريفًا") أفاد الحديث دخول الحكم في وعيد القضاة (٢)، وتكلّموا في معنى قوله "ينظر إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-" والنظر مضاف إلى الملك، قال: بعضهم: أي ينتظر أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- أنه بماذا يأمره ليمتثل، وقال بعضهم: بل المراد النظر الذي هو رؤية العين (٣)، وقد تكلّم الناس في الرؤية أنها تكون لبني آدم [دون الملائكة] (٤) أم لهم وللملائكة، وترك الخوض فيه أحوط والإعراض عنه أسلم؛ وقوله "سبعين خريفًا" لم يرد به حقيقة السبعين بل هو عبارة عن طول المدة في الجملة، فإنّ عادة العرب أنهم إذا أرادوا المبالغة في التكثير والتطويل أتوا بلفظ السبعين والأربعين، ذلك معروف بينهم، فكان هو المراد فيما روينا - والله أعلم.

ثم ذكر بعد هذا (عن مسروق أنه قال: لأن أقضي يومًا واحدًا بحق وعدل أحب إليّ من سنة أغزوها في سبيل الله) وكان مسروق (٥) ابتلي بالقضاء فذكر محاسنه، كما هو العادة المستمرة أن من ابتلي بشيء يذكر محاسنه، وإنما قال ذلك لأن الجهاد أمر بالمعروف، وفي القضاء ذلك وإيصال الحق (٦) إلى مستحقه ونصرة المظلوم وغير ذلك فكان نفعه أعم (٧) من نفع الجهاد، وبقدر النفع تثبت الأفضلية.

ثم ذكر حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه - (٨) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين [وفي رواية من قلّد القضاء فكأنما ذبح بغير سكين]) (٩) ورد


(١) وفي س "بين الناس".
(٢) وفي س "فهذا الحديث كالمرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنّ الوعيد في الآخرة لا يعرف بالرأي، إنما يعرف بالسماع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار كالمرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي الحديث دليل على أن الوعيد المذكور للقضاة يتناول الحكم أيضًا، وفائدة الحديثِ التحذيرُ عن طلب القضاء، فإنّه أشد ما يكون من الاستخفاف أن يكون غيره آخذ القضاء.
(٣) وفي س "بعد قوله "إلى الله -عزّ وجل-: من وجهين، منهم من يقول: لم يرد به حقيقة النظر وإنما أراد به أن ينظر أمر الله تعالى ليمتثل أمره، ومنهم من يقول: أراد به حقيقة النظر وهي الرؤية".
(٤) زيادة من س.
(٥) وكان في الأصلين "كان مسروقًا"؛ وفي س "ذكر مسروق محاسن القضاء لأنه ابتلى به، ومن ابتلى بشيء يذكر محاسن ذلك الشيء، هذا هو العادة، وإنما .. إلخ".
(٦) وفي س "وإظهار الحق".
(٧) أيد في س "وما يكون أعم نفعًا كان أفضل - إلخ".
(٨) كان في الأصلين "ابن حمزة" والصواب ما في س "ذكر عن أبي هريرة".
(٩) زيادة من س.

<<  <   >  >>