للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحديث محذرًا عن الدخول في القضاء، لأن الذبح بغير السكين أشد، ولأنّ الذبح بغير السكين لا يؤثر في الظاهر ويؤثّر في الباطن نحو الخنق والقتل بالحزن والغم، وكذا القضاء لا يؤثر في الظاهر هلاكًا فإنّه جاه (١) في الظاهر ويؤثر في الباطن لأنه هلاك في الباطن أعني به القضاء بغير حق.

ثم ذكر عن (الحارث النضري (٢) قال: كانت بنو إسرائيل إذا استقضي الرجل منهم أويس (٣) له من النبوة) ورد الحديث أيضًا للتحذير لأن وقوع اليأس عن النبوة التي عظمت درجتها وعلت رتبتها مسقطة، وهذا لأنّ الواحد من بني إسرائيل كان إذا فرغ نفسه للعبادة ستين سنة (٤) نبّئ ويوحى إليه فعظم شأنه، فمتى اشتغل بالقضاء انقطع الطمع فيه (٤).

ثم ذكر حديث (أبي قلابة أنه دُعي إلى القضاء فهرب حتى أتى الشام، فوافق ذلك عزل صاحبها، فهرب حتى أتى اليمامة وقال: ما وجدت مثل القاضي إلَّا كمثل سابح في بحرٍ فكم عسى أن يسبح حتى يغرق) [وهذ لأنّ الغالب من حال السابح في البحر الهلاك والنجاة نادر، فكذا الغالب من حال الداخل في القضاء الهلاك، والنجاة نادر] (٥) وكان هذا بلغ أبا حنيفة - رضي الله عنه - حين قال (٦) لأبي يوسف: أرأيت لو أمرتُ أن أعبر البحر سباحة أكنت أقدر عليه [وفائدة الحديث ما قلنا] (٥).

ثم ذكر (عن الحكم بن أيوب أنه كتب في نفر يستعملهم على القضاء، فقال أبو الشعثاء جابر بن زيد بن عمر (٧): إن الحكم بن أيوب قد كتب يذكرني في هؤلاء وما أملك (٨) من الدنيا إلَّا حماري هذا ولو أرسل إليّ لركبته وهربت في الأرض) وفائدته أنه لا ينبغي للمرء أن يدخل في القضاء مختارًا.

ثم ذكر (عن شريح أنه قال إنما القضاء جَمْر (٩)، فادفع الجمر (٩) عنك بعودين يعني بشاهدين) وإنما قال ذلك لأن الخصمين متى جثيا بين يدي القاضى توجه الاحتراق عليه لأنه


(١) وفي س "حياة".
(٢) كذا في الأصلين، وفي س "البصري" والله أعلم من هو.
(٣) كذا في الأصول وهو "أيس" بناء للمفعول من الناس، فالواو في الكتابة زائدة.
(٤) مكان ما بين الرقمين في س "يرجى له النبوّة فإذا اشتغل بالقضاء انقطع طمعه فيها".
(٥) بين المربعين زيادة من س.
(٦) وفي س "فكان حديث أبي قلابة بلغ إلى أبي حنيفة حتى قال - إلخ".
(٧) وفي س "عمرو".
(٨) وفي س "ولا أملك".
(٩) وفي س "جمرة" في الموضعين.

<<  <   >  >>