للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جالسًا في المسجد، فإذا جاءه الخصمان قال لهذا: ادع عليًّا! وقال لهذا: ادع طلحة والزبير] ونفرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فإذا جاؤوا فجلسوا قال لهما [يعني للخصمين] تكلّما! فإذا تكلّما أقبل عليهم فيقول: ماذا تقولون؟ فإن قالوا ما يوافق قوله أمضاه عليهما (١) ولا ينظر هو (٢) بعد، فيقومان وقد سلما) أفاد الحديث فوائد، منها أنه لم يكن بين علي وعثمان إلّا جميل وخير خلافًا لما قاله بعض أهل الأهواء والبدع، ومنها أنه لا بأس بالقضاء في المسجد على ما مر قبل هذا، أو منها أنه لا بأس للقاضي بالاستفتاء من العلماء كما فعله عثمان - رضي الله عنه - (٣) ومنها أنه لا بأس بالمشورة، ألا تراه كيف كان يشاورهم (٤)! وقوله "أمضاه عليهما" (٥) لأنه صار إجماعًا منهم، والإجماع حجة ماضية، وقوله "ولا ينظر هو بعد" لأنه ظهر الحق ولاح العدل فلا يجوز تأخيره (٦)، وقوله "فيقومان وقد سلما أي استسلما وانقادا للحق (٧).

ثم ذكر (عن إسماعيل بن أبي خالد (٨) قال: رأيت شريحًا جالسًا على القضاء في المسجد متعممًا بعمامة بيضاء قد ألقى طرفها بين كتفيه، عليه مطرف خز، ورأيت ناسًا من العلماء يجالسونه على القضاء منهم أبو عمر والشيباني والشعبي) أفاد الحديث فوائد، منها جلوس القاضي في المسجد على ما مر، ومنها أن السنّة للقاضي التعمم كما فعله شريح، وفي بعض المواضع جرت عادة القضاة بالتقلنس بقلنسوة كبيرة على هيئة مخصوصة، وكل ذلك لا بأس به (٩).


(١) وفي س "قضى عليهما" كذا، وسيأتي عنها أيضًا لفظ "أمضاه عليهما".
(٢) وفي س "لا ينظرهم".
(٣) وفي س "ومنها أنه يجوز للقاضي أن يستفتي ويقضي بالفتوى".
(٤) وفي س "ومنها أن المشورة مستحسنة، ثم إنما يشاور إذا لم يكن وجه القضاء بيّنًا، أما إذا كان بيّنًا لا يحتاج إلى المشورة، وحديث عثمان - رضي الله عنه - فمحمول على أن حكم الحادثة لم يكن بيّنًا".
(٥) وفي س "ثم قال: فإذا تكلّما يقبل عليهم، فإذا قالوا ما يوافق قوله أمضاه عليهما" قلت: فإذا الصواب في الرواية "أمضاه" دون "قضى" كما نقل ذلك قبل ذلك من س فلعلّه تحريف "أمضاه" - والله أعلم".
(٦) وفي س "لأن الحق قد ظهر والصواب قد تبيّن فلا يسعه التأخير، كما لا يسعه تأخير الفرائض".
(٧) وفي س "ثم قال: فيقول وقد سلما يعني استسلما وانقادا له".
(٨) إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأخمسي، أبو عبد الله الكوفي أحد الأعلام، كان أعلم الناس بالشعبي روى عن عبد الله بن أبي أوفى جحيفة وعمرو بن حريث، وعنه السفيانان وشعبة وغيرهم، روى له الستة، كان يسمى "الميزان"، قال العجل: ثقة، مات سنة ١٣٣ من الخلاصة.
(٩) وفي س وقد جرى الرسم في بعض الديار أن القاضي يتقلنس بقلنسوة، وذلك لا بأس به والعمامة أولى".

<<  <   >  >>