للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مأخوذة من الرشا وهو الحبل الذي يستقى به كان الناضح (١) لا يصل إلى الماء إلا بالرشا كذا الراشي يتوصل بالرشوة إلى مقصوده الحرام. ثم الرشوة على أربعة أوجه: يأخذها لتكف عن الظلم، ورشوة لإصلاح أمره عند السلطان، ورشوة ليقلّده قضاء، ورشوة ليقضي له بقضاء بحق أو بغير حق: ففي الوجه الأول الأخذ حرام لأنه أخذ على أمرٍ واجب عليه قبل الأخذ فإن الكف عن الظلم واجب، وأما للدفع فحلال إن كان فيه وقاية لنفسه وعرضه فإن الأموال لذلك تراد (٢)، وأما في الوجه الثاني فالأخذ حرام لأنه وقع على أمرٍ واجب عليه قبل الأخذ فإن إعانة المسلمين بقدر الإمكان واجبة على كل مسلم، والحيلة لحل الأخذ هنا أن يستأجر الراشي المرتشي يومًا ليقوم بعمله بأجرة معلومة ثم يصرف منافعه إلى أي عمل شاء فأما الدفع في هذا الوجه مع هذه الحيلة لا يشكل حله، وأما بدون هذه الحيلة اختلف المشايخ منهم من قال حرام لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وسنذكره بعد هذا، ولأنّه تمكين الحرام تسبيب له فيكون حرامًا، والصحيح أن الدفع حلال هنا، وإن كان الأخذ حرامًا كما في الوجه الأول لاجتماعهما في الداعي إلى الحل وهو وقاية نفسه وإقامة مصلحته، وهذا إذا أخذ الرشوة قبل أن يصلح أمره عند السلطان فإذا أصلح أمره فدفع إليه مالًا فالدفع حلال بلا إشكال، لأنه أحسن إليه فله أن يجازيه بمثله (٣)، فأما الأخذ هل يحل؟ قال بعضهم: لا يحل لأنه قام بأمر واجب عليه وهو إعانة المسلم والصحيح أنه يحل (٤) وقد أشار إليه في (٥) كتاب الصلاة فإنه قال "لا ينبغي للإمام ولا المؤذن أن يأخذ أجرًا عليه فإن فرغا فجمع لهما شيء من المال فما أحسن هذا" اجعله


(١) كذا في الأصلين، ولعله "كما أن الناضح" وفي س "فإن الناضح لا يتوصل إلى استقاء الماء إلا به، فكذا الإنسان لا يتوصل إلى مقصوده الحرام إلا بها".
(٢) إلى هنا في س مذكور بالمعنى، وزادت بعد ذلك "كذا إذا طمع في ماله فرشاه ببعض ماله لا يحل الأخذ، وحل الإعطاء، لأنه جعل بعض المال وقاية لسائر الأموال، ولو سعى إنسان بينهما فدفع إليه بعض المال ليوصله إلى الظالم لا بأس أن يفعل ذلك الإنسان فيسعى بينهما".
(٣) وفي س لأنه أنعم عليه بالنجاة عن الظلم، وقال النبي عليه الصلاة والسلام "من أزلفت إليه نعمة فليشكرها من غير فصل".
(٤) وزادت السعيدية نوع زيادة فقالت: "منهم من قال يحل، وهو الصحيح لأن هذا بر وصلة، وقاسوا هذه المسألة بما ذكر محمد رحمه الله في كتاب الصلاة إلخ".
(٥) وكان في الأصلين "من" والصواب، في س وله، لفظ الإمام الحلواني عن س هكذا: حاكٍ عن أستاذه القاضي الإمام رحمه الله قال: ينظر إن كان فعلًا لو استأجره على ذلك استحق الأجر بأن أعطاه لتبليغ الرسالة بأن بعثه رسولًا إلى الظالم، فلما بلغ الرسالة أعطاه شيئًا وأهدى إليه شيئًا يحل له الأخذ وإلا فلا".

<<  <   >  >>