للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسجد إلّا بقطعة ذهب يأخذها، لأن دخول المسجد مندوب إليه فلا يجوز المنع منه، ومتى حرّم المنع حرّم الأخذ لتركه، لكن إن احتسب رجل في ذلك وجعل نفسه بوابًا ليرتب الناس مراتبهم ويأذن لهم على حسب منازلهم فلا بأس به، فإن لم يجد من يحتسب بذلك فكفاية البواب من بيت المال، كما أنّ كفاية القاضي منه.

ذكر (عن علقمة ومسروق عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أنهما سألاه عن "السحت" فقال: الرشوة! قالا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر) (١) وتأويل قوله "ذاك الكفر" من وجهين عندنا: أحدهما أنه تهديد ووعيد لا تحقيق، والثاني: تحقيق لكن بالاستحلال (٢).

وعن (٣) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أيضًا (قال: الرشوة في الحكم كفر إنما السحت أن يهدي الرجل إلى الرجل هدية كما يعينه على حاجته عند السلطان) وهذا يؤكد قول أولئك المشايخ الذين قالوا في الوجه الثاني من وجوه الرشوة أن الدفع حرام، لكن تأويل ذلك عندنا إذا كان ذلك على أمر لا يحل بحال (٤) كالظلم لغيره ونحوه. ثم الهدايا على ثلاثة أوجه: هدية يحل دفعها ولا يحل أخذها، وهدية يحل فيها الدفع والأخذ جميعًا، وهدية يحرم فيها الدفع والأخذ جميعًا؛ أما الوجه الأول: فإذا هدده بظلم فخافه فأهدى إليه هدية ليكف عنه فالدفع حلال وقاية لنفسه والأخذ حرام على ما تقدم، والثاني الهدية للتودد والتحبب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تهادوا تحابوا"، والثالث ما ذكره عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو أن يهدي له هدية حتى يصلح أمره عند السلطان (٥) لكن على التأويل الذي ذكرناه وهو أن يطلب منه إصلاح أمر لا يحل بحال والله أعلم.

ذكر (عن مسروق قال: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أخذ السحت (٦)، وإذا أخذ الرشوة


= القاضي، لكن ينبغي أن يتخذ بوابًا يحتسب في ذلك ويأمر الناس بالدخول على القاضي في نوبتهم، وإن لم يجد أحدًا يحتسب يعطى كفايته كما يعطى كفاية القاضي من بيت المال".
(١) وفي س "فقالا في الحكم؟ قال: ذلك كفر".
(٢) ولفظ س في شرح هذا الحديث: "وتأويله من وجهين أحدهما أنه أراد به التهديد لا التحقيق، والثاني أنه أراد به التحقيق فإنما قال ذلك في المستحل وإذا استحل ذلك يكفر".
(٣) وفي س "وذكر عن أبي الأحوص قال قال عبد الله - رضي الله عنه -" الحديث، وليس فيها "أيضًا".
(٤) وقوله لكن تأويل ذلك إلخ "ذكرت س بعد الوجه الثالث بالمعنى وقالت في آخره لا يحل بحال من الأحوال".
(٥) وفي س "أن يهدي إلى غيره لما يعنيه عند السلطان على حاجته وهذا حجة لقول أولئك المشائخ".
(٦) وفي س "لا يحل أكل السحت".

<<  <   >  >>