للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انصرف إلى أهله قام يصلي فرآهم يصلون خلفه، فقال: لمن تصلون؟ فقالوا لله! قال: فاذهبوا (١) فأنتم لله) اشتمل الحديث على أشياء، منها أن عمر ومعاذًا كل واحد منهما قال ما قاله عن تأويل، أما عمر فإنه يقول: إن قوتك وعزتك إنما كانت بقوة أبي بكر وهو الإمام وبقوةِ المسلمين، فما أصبت من الأموال يكون لبيت مال المسلمين، ومعاذ يقول: هذه هدية أهديت إليّ فأنا الذي أصبت هذا المال فيكون لي، فكل منهما اعتمد تأويلًا وبنى على دليل (٢) ومنها قول أبي بكر "هم لك" خص معاذًا بذلك لمكانة فضله، وللإمام أن يخص بعض أهل العلم بشيء من بيت المال لمكانة فضله وعلمه. [ومنها أن معاذًا رآهم يصلون فأحسن إليهم بالإعتاق، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالإحسان إلى المصلين] (٣) ومنها أنه حررهم بقوله "فأنتم لله" ولم يذكر محمد هذا اللفظ في كتاب العتاق (٤)، وذكر في النوادر أن على قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - لا يقع به الحرية لأنه يحتمل أشياء (٥) وعند أبي يوسف ومحمد يقع، فكان الحديث حجة لهما على أبي حنيفة والله أعلم (٦).

ذكر بعد هذا (عن أبي جميل الساعدي - رضي الله عنه - قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن اللتبية على صدقات بني سليم، فلما رجع (٧) قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي إلي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخطب الناس فحمد الله -عز وجل- وأثنى عليه ثم قال: "ما بال رجال نوليهم أمورًا مما ولانا الله -عزّ وجل- فيجيء أحدهم فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليّ! أفلا يجلس (٨) في بيت أبيه وأمه حتى يأتيه هديته إن كان صادقًا - وفي رواية أخرى: هلا يجلس عند حفش أمه لينظر أهدي إليه أم لا") أفاد الحديث أنه لا ينبغي للوالي أن يقبل الهدية لما ذكرنا، فإن قبلها فهي لبيت المال، لأن تعززه وقوته إنما كانت بالمسلمين والجنود، فما أصابه يكون لهم (٩)، وأفاد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ساءه أمر، من بعض أصحابه لا يجاهره


(١) كذا في الأصل وس، وليس في م، وعدم منه هو الصواب.
(٢) وذكرت س كل هذا بالمعنى وزادت بعد ذلك: "وفي رواية: رأيت كأني في مفازة أضل فيها وأنت تدعوني إلى العمران".
(٣) قوله "ومنها" إلى قوله "مصلين" ساقط من س.
(٤) وفي س "ولم يذكر محمد في كتاب العتاق أن من قال لمملوكه أنت لله هل يعتق".
(٥) وفي س لأن هذا الكلام يحتمل "أنت عبد الله" والرقيق عبيد الله، ويحتمل أنه أراد به التحرير والمحتمل لا يكون حجة.
(٦) ولم تذكره س، وكان في الأصلين "لأنه أعلم" مصحف - والله أعلم بالصواب.
(٧) وفي س "فلما جاء".
(٨) رواه البخاري وغيره، وفي الصحيح "فجعله جلس".
(٩) وهذا في س مذكور بالمعنى، وزادت "فكانت بمنزلة الغنيمة، والغنيمة توضع في بيت المال".

<<  <   >  >>