للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قال أبو بكر) صاحب الكتاب (ولو أن رجلًا ابتلى بسلطان جار (١) عليه في نفسه أو في ولده أو في أحد من أهله أو ماله فصانعه بشيءُ ورشاه على أن يدفع ذلك الجور رجونا أن يكون آثمًا في ذلك) أما جواز دفع الرشوة لدفع الظلم فقد تقدم ذكره، وأما قول صاحب الكتاب "رجونا" إنما علقه بالرجاء (٢) لأن الدفع له جهتان: جهة التمكن من الحرام، وجهة قصد دفع الظلم، وهو جائز باعتبار إحداهما غير جائز باعتبار الأخرى، فلذلك علّقه بالرجاء.

(ولو ارتشى القاضي والحكم الذي ارتشي فيه حق واجب للراشي أو غير واجب فالأخذ والدفع حرام فيهما) (٣) فرق بين الدفع هاهنا وبينه: إذا كان لدفع الظلم فإنه يجوز، والفرق (٤) أن هناك حصل المقصود من الرشوة وهو اندفاع الظلم، لأنه يكف عنه متى أخذ الرشوة، وأما في القضاء لم يحصل المقصود لأن القاضي إذا حكم له بذلك فحكمه باطل لا يحل لمن عرفه من القضاة، وثبت عنده ذلك أن ينفذه، والأصل في الرشوة الحرمة لأنها تمكين من الحرام، لكن سقط اعتبار الحرمة حال حصول المقصود الذي لا يحصل إلّا بها وهو اندفاع الظلم، ففي موضع لم يحصل المقصود بقي على أصل الحرمة، وإنما قلنا: إن القضاء فيما ارتشي فيه باطل لا ينفذ، لأنه يصير مستأجرًا على القضاء فيكون ما أتى به من القضاء غير داخل تحت ولايته، لأن الداخل تحت ولايته قضاء لا أجر عليه، (٥) فإذا أتى بقضاء أخذ عليه أجرًا كان قضاءً لا عن ولاية فلا ينفذ، ولأنه يجب أن يكون نائبًا عن الله -عزّ وجل- في القضاء، فإذا أخذ على ذلك أجرًا كان نائبًا من المستأجر لا عن الله فلم يكن آتيًا بما يؤمر إليه من هذا الوجه أيضًا.


(١) وفي س "جائر".
(٢) وفي س علقه بالرجاء لأن القبض حرام، والإعطاء تمكين من القبض، والتمكين من الحرام حرام، إلا أن قصد المعطي من هذا دفع الظلم عن نفسه أو عن ماله، فمن ذلك الوجه يكون حرامًا ومن هذا الوجه لا فعلقه بالرجاء.
(٣) وفي س "إذا أرشى القاضي ليقضي له بالحق حيث لا يحل للقاضي أن يقبض ولا للمعطي أن يعطي".
(٤) وعبارة س في الفرق إلى آخر شرح هذا المتن هكذا "والفرق أن السلطان الجائر إذا رشا ينال ما هو المقصود بدفع الرشوة وهو دفع الظلم عن نفسه أو عن ماله فلا يأثم المعطي أما في القاضي لا ينال لأن المقصود منه أن يصير المدعي ملكًا له ومقاله وهذا إنما يحصل إذا نفذ القضاء وقضاء المرتشي فيما ارتشى باطل حتى لا يحل لأحد من القضاة أن اتضح هذا عنده أن ينفذ ذلك الحكم، ولكنه يرده ويبطله، فلهذا أثم المعطي ثم إنما لم ينفذ قضاء المرتشي فيما ارتشى فلأنه لما أرشاه المدعي فقد استأجره، والقضاء بحق فرض عليه، والاستئجار على إقامة ما هو فرض عليه لا يجوز كالاستئجار على الأذان والإمامة".
(٥) وفي م "القضاء أجرًا".

<<  <   >  >>