للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتطرفرا بذلك إلى تحريف الكلم عن مواضعه، فيمنع من التسمية بالمجاز، ويجعل جميع الألفاظ حقائق، ويقول: اللفظ إن دل بنفسه فهو حقيقة لذلك المعنى، وإن دلّ بقرينة فدلالته بالقرينة حقيقة للمعنى الآخر، فهو حقيقة فى الحالين.

وإن كان المعنى المدلول عليه مختلفا فحينئذ يقال: لفظ اليمين فى قوله سبحانه وتعالى: (٦٧:٣٩ {وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ)} حقيقة. وهو دال على الصفة الذاتية. ولفظ اليمين فى الحديث المعروف: «الحجر الأسود يمين الله فى الأرض. فمن صافحه فكأنّما صافح الله عزّ وجلّ»

وقيل: يمينه يراد به - مع هذه القرائن المحتفة به - محل الاستلام والتقبيل.

وهو حقيقة فى هذا المعنى فى هذه الصورة، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلا، بل دلالته على معناه الخاص قطعية لا تحتمل النقيض بوجه، ولا تحتاج إلى تأويل ولا غيره.

وإذا قيل: فابن الفاعوس لم يكن من أهل هذا الشأن - أعنى: البحث عن مدلولات الألفاظ؟

قيل: ولا ابن الخاضبة كان من أهله، وإن كان محدثا. وإنما سمع من ابن الفاعوس، أو بلغه عنه إنكار أن يكون هذا مجازا، لما سمعه من إنكار لفظ المجاز فحمله السامع لقصوره أو لهواه على أنه إذا كان حقيقة لزم أن يكون هو يد الرب عزّ وجل، التى هى صفته. وهذا باطل. والله علم.

توفى ابن الفاعوس ليلة السبت تاسع عشر شوال - وقيل: العشرين منه، والأول أصح - سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. وصلّى عليه من الغد بجامع القصر. ودفن قريبا من قبر الإمام أحمد رضى الله عنه.

وكان ذلك يوما مشهودا، غلقت فيه أسواق بغداد. وكان أهل بغداد يصيحون فى جنازته: هذا يوم سنىّ حنبلى، لا قشيرى ولا أشعرى.

وكان حينئذ ببغداد أبو الفرج الأسفرايني الواعظ، وكان العوام قد رجموه

<<  <  ج: ص:  >  >>