حد العقول، وانحصرت القدر الربانية فى درك العلوم. لكان ذلك تقصيرا فى الحكمة، ونقصا فى القدرة، لكن احتجبت أسرار الأزل عن العقول، كما احتجبت سبحات الجلال عن الأبصار. فقد رجع معنى الوصف فى الوصف، وعمى الفهم عن الدرك، ودار الملك فى الملك، وانتهى المخلوق إلى مثله، واشتد الطلب إلى شكله (١٠٨:٢٠ {وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً)}.
فجميع المخلوقات من الذرة إلى العرش سبل متصلة إلى معرفته، وحجج بالغة على أزليته، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته، والعالم كله كتاب يقرأ حروف أشخاصه، المتبصرون على قدر بصائرهم.
ومن كلامه أيضا: من لم يجد فى قلبه زاجرا فهو خراب. ومن عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه. ومن لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه بصحبة العبيد.
ومن انقطعت آماله إلا من مولاه فهو عبد حقيقة. والدعوى من رعونة النفس، واستلذاذ البلاء تحقق بالرضا، وحلية العارف الخشية والهيبة. وإياكم ومحاكاة أصحاب الأحوال قبل إحكام الطريق، وتمكن الأقدام؛ فإنها تقطع بكم.