للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حد العقول، وانحصرت القدر الربانية فى درك العلوم. لكان ذلك تقصيرا فى الحكمة، ونقصا فى القدرة، لكن احتجبت أسرار الأزل عن العقول، كما احتجبت سبحات الجلال عن الأبصار. فقد رجع معنى الوصف فى الوصف، وعمى الفهم عن الدرك، ودار الملك فى الملك، وانتهى المخلوق إلى مثله، واشتد الطلب إلى شكله (١٠٨:٢٠ {وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً)}.

فجميع المخلوقات من الذرة إلى العرش سبل متصلة إلى معرفته، وحجج بالغة على أزليته، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته، والعالم كله كتاب يقرأ حروف أشخاصه، المتبصرون على قدر بصائرهم.

ومن كلامه أيضا: من لم يجد فى قلبه زاجرا فهو خراب. ومن عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه. ومن لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه بصحبة العبيد.

ومن انقطعت آماله إلا من مولاه فهو عبد حقيقة. والدعوى من رعونة النفس، واستلذاذ البلاء تحقق بالرضا، وحلية العارف الخشية والهيبة. وإياكم ومحاكاة أصحاب الأحوال قبل إحكام الطريق، وتمكن الأقدام؛ فإنها تقطع بكم.

ودليل تخليطك صحبتك للمخلطين. ودليل وحشتك أنسك بالمستوحشين.

وكان يتمثل بهذه الأبيات:

يا غارس الحب بين القلب والكبد … هتكت بالصّد ستر الصبر والجلد

يا من تقوم مقام الموت فرقته … ومن يحل محل الروح فى الجسد

قد جاوز الحب فى أعلى مراتبه … فلو طلبت مزيدا منه لم أجد

إذا دعى الناس قلبى عنك مال به … حسن الرجاء، فلم يصدر ولم يرد

إن ترضني لم أرد ما دمت لى بدلا … وإن تغيرت لم أسكن إلى أحد

وحكى عن الشيخ أبى إسحاق إبراهيم بن مرسيل الضرير، الفقيه الشافعى الزاهد رحمه الله تعالى، قال: كان الشيخ أبو عمرو بن مرزوق، من أوتاد مصر.

كان شائع الذكر، ظاهر الكرامات. زاد النيل سنة زيادة عظيمة، كادت مصر

<<  <  ج: ص:  >  >>