لعقله ووقاره، وتركه اللعب. ثم قال: لم ينقل عنه: أنه لعب ولا لها، ولا طرق باب طرب، ولا مشى إلى لذة ومشتهى.
حدثنى شيخنا الإمام ناصح الإسلام بن المنّى قال: حصل لى من ميراث والدى عشرون دينارا، فاشتريت بها شيئا وبعته فأربحت، فخفت أن تحلو لى التجارة فأشتغل بها، فنويت الحج فحججت، وتجردت للعلم، فسمعت درس الشيخ أبى بكر الدينورى صاحب الشيخ أبى الخطاب الكلوذانى، قال: فتفقه به، ومال الفقهاء من أصحاب شيخه إلى الاشتغال عليه. ودرس بعد موت شيخه
قال لى: تقدمت فى زمن أقوام ما كنت أصلح أن أقدم مداسهم. وقال لى رحمه الله: ما أذكر أحدا قرأ علىّ القرآن إلا حفظه، ولا سمع درسى الفقه إلا انتفع. ثم قال: هذا حظى من الدنيا.
قال ابن الحنبلى: أفتى ودرس نحوا من سبعين سنة، ما تزوّج ولا تسرى، ولا ركب بغلة ولا فرسا، ولا ملك مملوكا، ولا لبس الثياب الفاخر إلا لباس التقوى. وكان أكثر طعامه يشرب له فى قدح ماء الباقلاّ. وكان إذا فتح عليه بشئ فرقه بين أصحابه. وكان لا يتكلم فى الأصول. ويكره من يتكلم فيه، سليم الاعتقاد، صحيح الانتقاد فى الأدلة الفروعية. وكنا نزور معه فى بعض السنين قبر الإمام أحمد.
وسمعت الشيخ الإمام جمال الدين بن الجوزى وقد رآه يقول له: أنت شيخنا.
وأضرّ بعد الأربعين سنة، وثقل سمعه. وكان تعليقه الخلاف على ذهنه، وفقهاء الحنابلة اليوم فى سائر البلاد يرجعون إليه، وإلى أصحابه.
قلت: وإلى يومنا هذا الأمر على ذلك. فإن أهل زماننا إنما يرجعون فى الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين: موفق الدين المقدسى، ومجد الدين ابن تيمية الحرانى.
فأما الشيخ موفق الدين: فهو تلميذ ابن المنى. وعنه أخذ الفقه.