وعلى المنع منها بينة، وهي استئثار بعضهم بها بحق بعض، وأخذه عن غير طيب نفس منه، وذلك ما لا يحل، ولا يجوز؛ لأن مخرجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يوكل؛ فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل منه مع أصحابه، على وجه الأكل فقد أخذ حراما، وأكل سحتا، لا مزية فيه، ودخل تحت الوعيد في النهي.
وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فهذا كرهه مالك، وأباحه غيره، كما ذكرت، والمباح والمكروه سواء في أنه لا حرج ولا إثم في فعل واحد منهما، وإنما يفترقان في الترك، فرأى مالك، رحمه الله، ترك ذلك أفضل، اتباعا لظواهر الآثار في النهي عن النهبة، ولم يحرمه لأن النهي عنده إنما هو في انتهاب ما لم يؤذن في انتهابه، بدليل ما جاء من أن صاحب هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله، كيف أصنع فيما عطب من الهدي؟ فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم:" انحرها، ثم الق قلائدها في دمها. ثم خلّ بين الناس وبينها ياكلونها ".
وفي حديث آخر، أنه قال، في بدنات له، حين وجبت جنوبها:" من شاء فليقتطع " فأباح في هذين الحديثين للناس، الذين يحل لهم الهدي أن يأخذوا منها ما شاؤوا من غير مقدار، ولا قسم معلوم.