العصبة من القسامة، والقود؛ إذ البنون الصغار أحق بالقيام بالدم والقسامة فيه، والعفو عنه منهم، بخلاف الرواية المأثورة في ذلك عن مالك وعن غيره من أصحابه؛ إذ خفي عليهم المعنى في ذلك، وظنوا أنه لا يسوغ للمفتي العدول عن الرواية الموجودة في ذلك، وليس ذلك على ما ظنوا، بل لا يسوغ للمفتي تقليد الرواية والفتوى بها إلا بعد المعرفة بصحتها.
هذا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم، لقول الله عز وجل:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل، إذ بعثه إلى اليمن واليا ومعلما:" بم تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ وقال: أجتهد، رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله ": فكان الذي أرضاه صلى الله عليه وسلم، فيما لم يجد في الكتاب ولا في السنة، الاجتهاد، لا الرجوع إلى قول عالم مثله قال قولا باجتهاده ورأيه، وما أرضى رسول الله، فقد أرضى الله عز وجل، وما أرضى الله عز وجل فهو الحق عنده، الذي لا تحل مخالفته، ولا العدول عنه.
والرواية التي افتيت بخلافها للأصول عدل بها عن القياس للمعنى الذي أذكره استحسانا على ما سنبينه، فوجب العدول، عنها، بالنظر الصحيح، إلى ما هو أولى منها، لا سيما ما ذكر من أن المدعى عليه كان سكرانا إذ جرح المدعي، ومن أهل العلم من يقول: