للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث: موضوع السورة، وسياق الآيات، قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨): (ولمَّا كان تصرُّفه سبحانه في خلقه لا يخرج عن العدل و الإحسان، و هو تصرف بخلقه و أمره، و أخبر أن ما في السموات و ما في الأرض ملكه، فما تصَرَّف خلقًا و أمرًا إلا في ملكه الحقيقي، و كانت سورة البقرة مشتملة من الأمر و الخلق على ما لم يشتمل عليه سورة غيرها؛ أخبرنا تعالى أن ذلك صدر منه في ملكه قال تعالى ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة ٢٨٤]، فهذا متضمنٌ لكمال علمه سبحانه و تعالى بسرائر عباده و ظواهرهم، و أنه لا يخرج شيء من ذلك عن علمه، كما لم يخرج شيء ممن في السموات و الأرض عن ملكه، فعلمه عام و ملكه عام. ثم أخبر تعالى عن محاسبته لهم بذلك؛ وهي تعريفهم ما أبدوه أو أخفوه، فتضمن ذلك علمه بهم و تعريفهم إياه، ثم قال ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة ٢٨٤]، فتضمن ذلك قيامَه عليهم بالعدل و الفضل، فيغفر لمن يشاء فضلًا، و يعذب من يشاء عدلًا، و ذلك يتضمن الثواب و العقاب، المستلزم للأمر والنهي، المستلزم للرسالة والنبوة، ثم قال تعالى ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة ٢٨٤]، فتضمن ذلك أنه لا يخرج شيء عن قدرته البتة و أن كل مقدور واقع بقَدَرِه). (١)

الرابع: ورود معناه في السنة الصحيحة، فعن ابن عباس ، عن النبي فيما يروي عن ربه ﷿ قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك: فمن هَمَّ (٢) بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها وعملها، كتبها الله له


(١) مجموع الفتاوى ١٤/ ١٣١، وينظر: التفسير الكبير ٧/ ١٠٨، والبحر المحيط ٢/ ٣٧٥.
(٢) حقق شيخ الإسلام ابن تيمية الهَمَّ الذي يُؤاخذ عليه العبد، وهو ما صار عزمًا، ولا يصير الهَمُّ عزمًا حتى يقترن به قولٌ أو فعل. ينظر: مجموع الفتاوى ١٤/ ١٢٢.

<<  <   >  >>