للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المُبتَدعة فيه، واختلاف أصولِ كُلٍّ منهما، وإن تلاقت أقوالهما في مُقَدِّمةٍ أو نتيجة؛ فإن من الأصول المهمة عند السلف في منهج التَّلَقِّي: الاستدلال ثم الاعتقاد. وهذه مرتبة عالية من الموضوعية العلمية، وصورة صادقة لتعظيم النصوص، واعتقاد تمام الهداية فيها. أمَّا التوجُّه إلى النصِّ بمُقرَّرات سابقة، واعتقاد سابق للاستدلال، فهو إيذان بالانحراف في الفهم والنتيجة، وإن لاقى الصواب أحيانًا، كما أنه بابٌ عظيمٌ من أبواب تأويل النصوص وتحريفها، وقلَّة تعظيمها والاهتداء بها. (١)

قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨): (النوع الثاني من مُستَنَدَي الخلاف، وهو: ما يُعلَم بالاستدلال لا بالنقل، فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين، حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان .. ، إحداهما: قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها)، ثم قال عن هذا الصنف: (والأولون صنفان: تارةً يسلبون لفظ القرآن ما دَلَّ عليه، وأُريدَ به، وتارةً يَحْمِلونه على ما لم يدلّ عليه، ولم يُرَد به، وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلًا، فيكون خَطؤهم في الدليل والمدلول، وقد يكون حَقًّا فيكون خطأُهم في الدليل لا في المدلول) (٢)، ثم مَثَّلَ لذلك بتفاسير المُعتَزلة ونحوهم. وقال أيضًا مُبَيِّنًا طريقة أهل الضلال والبدع في تفسير النصوص الشرعية: (يجعلون الألفاظ التي أحدثوها، ومعانيها هي الأصل، ويجعلون ما قاله الله ورسوله تَبَعًا لهم، فيرُدُّونها بالتأويل والتحريف إلى معانيهم، ويقولون: نحن نُفَسِّر القرآن بالعقل واللغة. يَعنُون أنهم يعتقدون معنىً بعقلهم ورأيهم، ثم يتأولون القرآن عليه، بما يُمكِنُهم من التأويلات والتفسيرات المتضمنة لتحريف


(١) ينظر في آثار ذلك: مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٦٢، والموافقات ٣/ ٢٩٠، وفي ظلال القرآن ٦/ ٣٩٧٩، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة ٨٤٠، وموقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة ١/ ٥٠٤، و ٢/ ٧٦٨، ٧٧٣، والتفسير اللغوي (ص: ٥١٧)، وبابًا مُوَسَّعًا بعنوان «إخضاع النصوص القرآنية للأهواء والتعصبات والبدع»، في: أسباب الخطأ في التفسير ٢/ ٦٢١ - ٩١١.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٥٥.

<<  <   >  >>