للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في حَذف ما عُلمَ من الكلام لدلالة ما ذُكِرَ عليه، فالمُراد: ليس من أهل دينك، فحذف كلمة "دينك"، وهو نظير قوله تعالى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف ٨٢]. (١)

ثانيًا: استدلالهم بقوله تعالى ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود ٤٦]، وأن الهاء في قوله ﴿إِنَّهُ﴾ عائدة على الابن؛ لأنه من غير نكاح صحيح. غير مُسَلَّم؛ لأن السياق يدُلُّ بفاء الترتيب والتعقيب- التي تفيد ترتب ما بعدها على ما قبلها- في قوله تعالى ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود ٤٦]، على أن المُراد: إن سُؤالكَ إيايَ أن أنجيَ من كفر بي، ووالى أعدائي، بعد أن دعوتني أن لا أَذَرَ على الأرض منهم أحدًا، عملٌ غير صالح. وهو ما وقع عليه العتاب في هذه الآية، وليس يُعاتب الله تعالى أحدًا بأمر لا يعلمه، ولا سبب له فيه.

ثم إن قراءة ابن عباس التي ساقها لتأكيد هذا المعنى ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود ٤٦]، تؤكد ما ذُكرَ، وليس يخفى أنَّ من فوائد القراءات تبيين المعنى، وإزالة ما فيه من إشكال، قال الزجاج (ت: ٣١١): (والقراءة في هذا ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾، و ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود ٤٦]، وهما يرجعان إلى معنىً واحد، وذلك أن تأويل ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود ٤٦]: أنه ذو عملٍ غير صالح، وكل من كفر فقد انقطع نسبه من أهله المؤمنين، لا يرثهم ولا يرثونه) (٢).

ثالثًا: وأمَّا قولهم في قوله تعالى ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ [هود ٤٥]: ولم يقل: مِنِّي. واستشهادهم بقراءة: (ونادى نوحٌ ابنها) [هود ٤٢]، فأجاب عنه أبو حيَّان (ت: ٧٤٥) بقوله: (ويمكن إن نُسِبَ إلى أمه، وأُضِيفَ إليها، ولم يُضَف إلى أبيه؛ لأنه كان كافرًا مثلها، يُلحَظُ فيه هذا المعنى، ولم يُضَف إليه استبعادًا له، ورعيًا ألاَّ يُضافَ إليه كافر، وإنما ناداه ظنًّا منه أنه مؤمن، ولولا ذلك ما أحب نجاته، أو ظنًّا منه أنه يؤمن إن كان كافرًا؛ لِمَا شاهد من


(١) ينظر: المرجع السابق.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٥/ ١٩٦، وينظر: المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى (ص: ٣١٥).

<<  <   >  >>