للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأقسام الثلاثة سيقت في مقام الامتنان بإنزال القرآن على رسول الله ، واصطفاء هذه الأمة واختصاصها به. أمَّا أقسام سورة الواقعة فإنها من أوّل السورة إلى آخرها في بيان أقسام الخلق يوم القيامة. وتشابه الآيات في بعض الأقسام وفي عددها لا يلزم منه تطابقهما في المعنى.

الثاني: أن المُراد بالظالم لنفسه في الآية: من ظلمها بالذنوب والعاصي. ومن ثَمَّ فلا إشكال في دخوله فيمن اصطفاهم الله تعالى، إذ المُراد: اصطفاء الله لدينهم (١)، واصطفائهم بالتوحيد (٢). ثم الظلم على درجات، فمنه الظلم الأصغر، وهو: ظلم النفس بالمعاصي، ومنه الأكبر، وهو: الشرك، كما في قوله تعالى ﴿يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة ٥٤]، وقوله ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام ٨٢] (٣)، والمسلم العاصي لا يخرج عن مجموع الأمة، وهو يوم القيامة داخلٌ الجنة بفضل الله وتجاوزه ابتداءً، أو بعدل الله وتطهيره له من ذنوبه في النار، ثم مصيره الجنة. قال ابن القيم (ت: ٧٦١): (كون العبد مصطفىً لله، ووليًّا لله، ومحبوبًا لله، ونحو ذلك من الأسماء الدالَّة على شرف منْزلة العبد، وتقريب الله له، لا يُنافي ظلم العبد نفسه أحيانًا بالذنوب والمعاصي)، ثم استشهد بأدلة وافرة على ذلك، كقوله تعالى ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الزمر ٣٣ - ٣٥]، وقوله تعالى عن آدم ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف ٢٣]، وقال عن يونس ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء ٨٧]، ثم قال: (وإذا كان ظلم النفس


(١) ينظر: الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢٢١.
(٢) ينظر: الانتصاف ٣/ ٥٩٥.
(٣) ينظر: التفسير الكبير ٢٦/ ٢٢، وطريق الهجرتين (ص: ٢٩١).

<<  <   >  >>