وَعَبْدٌ فَعَلَيْهِ عَبْدٌ وَأَلْفٌ مِمَّا يَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ: وَشَاةٌ أَوْ وَبَعِيرٌ، أَوْ وَفَرَسٌ، أَوْ وَثَوْبٌ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ مِنْ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالثِّيَابِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْعَبِيدَ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ وَالْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالثِّيَابَ أُقَسِّمُهَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَلَا أُقَسِّمُ الرَّقِيقَ
(تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قُلْت: ظَهَرَ أَنَّ الدَّلَالَةَ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ مِنْهُ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ فِعْلٍ فَمَا وَجْهُ نِسْبَتِهَا إلَى السُّكُوتِ حَتَّى كَانَتْ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ، قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِتَنْزِيلِ مَا أَفَادَهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ مَعَ السُّكُوتِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ وَمِنْ شَأْنِ مَا كَانَ عِلَّتُهُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ أَنْ يُنْسَبَ إلَى آخِرِهَا وُجُودًا، وَالسُّكُوتُ مَعَ غَيْرِهِ هُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ تَمْشِيَةَ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَإِخْوَتِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ جَمِيعَ أَقْسَامِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَسَيَأْتِي عَدُّهَا مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ كَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَفْظِيَّةً أَيْضًا، وَإِلَّا فَكَوْنُهَا فِيهِمَا غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ لَفْظِيَّةً مَحْضُ اصْطِلَاحٍ فَلْيُتَأَمَّلْ
(وَاللَّفْظِيَّةُ عِبَارَةٌ وَإِشَارَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاقْتِضَاءٌ) وَلَهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْحَصْرِ فِيهَا وُجُوهٌ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي عَلَى مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهَا أَنَّ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً بِنَفْسِ اللَّفْظِ أَوْ لَا.
وَالْأُولَى إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً مِنْهُ وَهِيَ الْعِبَارَةُ أَوْ لَا وَهِيَ الْإِشَارَةُ، وَالثَّانِيَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى مَسْكُوتٍ عَنْهُ يُفْهَمُ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ اللَّفْظِ أَوْ صِدْقُهُ عَلَيْهِ وَهِيَ الِاقْتِضَاءُ أَوْ لَا وَهِيَ التَّمَسُّكُ الْفَاسِدُ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ لِلدَّلَالَةِ حَقِيقَةً وَيَتَعَدَّى بِوَاسِطَتِهَا إلَى اللَّفْظِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَبِاعْتِبَارِهِ) أَيْ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي الدَّلَالَةِ (يَنْقَسِمُ اللَّفْظُ إلَى دَالٍّ بِالْعِبَارَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَدَالٍّ بِالْإِشَارَةِ وَدَالٍّ بِالدَّلَالَةِ وَدَالٍّ بِالِاقْتِضَاءِ (فَعِبَارَةُ النَّصِّ أَيْ اللَّفْظِ) الْمَفْهُومُ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ أَوْ بِغَيْرِهِ مُفَسَّرًا أَوْ مُحْكَمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ إطْلَاقًا شَائِعًا ثُمَّ الْعِبَارَةُ لُغَةً تَفْسِيرُ الرُّؤْيَا وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الدَّلَالَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ مَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ مَسْتُورٌ كَمَا أَنَّ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا تُفَسِّرُ عَاقِبَتَهَا الْمَسْتُورَةَ فَظَهَرَ أَنَّ إضَافَتَهَا إلَى النَّصِّ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ عَيْنِ الشَّيْءِ وَكُلِّهِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بَلْ إضَافَتُهَا إلَيْهِ بِمَعْنَى اللَّامِ وَأَنَّهَا مِنْ أَوْصَافِ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ (دَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (عَلَى الْمَعْنَى) حَالَ كَوْنِهِ (مَقْصُودًا أَصْلِيًّا) مِنْ ذِكْرِهِ (وَلَوْ لَازِمًا) أَيْ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلَّفْظِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا أَصْلِيًّا مِنْ ذِكْرِ لَفْظِهِ هُوَ (الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي النَّصِّ) الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ (أَوْ) دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى حَالَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا (غَيْرَ أَصْلِيٍّ) مِنْ ذِكْرِهِ.
(وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا غَيْرَ أَصْلِيٍّ هُوَ (الْمُعْتَبَرُ) عِنْدَهُمْ (فِي الظَّاهِرِ) الْمُقَابِلِ لِلنَّصِّ (كَمَا سَيُذْكَرُ) كُلٌّ مِنْهُمَا فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (فَفُهِمَ إبَاحَةُ النِّكَاحِ وَالْقَصْرُ عَلَى الْعَدَدِ) أَيْ الْأَرْبَعِ بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي حَقِّ الْحُرِّ (مِنْ آيَةِ فَانْكِحُوا) أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] وَإِلَّا قَالَ مِنْ فَانْكِحُوا (مِنْ الْعِبَارَةِ) لِأَنَّ لَفْظَهَا دَالٌّ عَلَى طَلَبِ نِكَاحِ مَنْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَى النِّكَاحِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ كَمَا عُرِفَ وَعَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَرْبَعِ لِلْحُرِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَيْضًا (وَإِنْ كَانَتْ) الْآيَةُ (ظَاهِرًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ مَنْ ذَكَرْنَا وَنَصًّا فِي الثَّانِي وَهُوَ قَصْرُ إبَاحَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ مُجْتَمَعَاتٍ لِلْحُرِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا بَلْ الْحُكْمُ الثَّانِي وَذَكَرَ الْأَوَّلَ لِلثَّانِي وَسَتَقِفُ عَلَى تَوْجِيهِهِ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي.
(وَكَذَا حُرْمَةُ الرِّبَا وَحِلُّ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِقَةُ مِنْ آيَةِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ وَكَذَا فُهِمَ إبَاحَةُ الْبَيْعِ وَحُرْمَةُ الرِّبَا وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] مِنْ عِبَارَةِ النَّصِّ لِأَنَّ لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي كُلٍّ مِنْ إبَاحَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute