تَفْصِيلٍ وَطَلَبِ خُصُومَةٍ وَتَمَلُّكِ أَنْ يَرْفَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي وَيَطْلُبَ قَضَاءَهُ لَهُ بِهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الثَّالِثَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ إنَّمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَجْلِسٌ فَلَمْ يُخَاصِمْ حَتَّى مَضَى تَبْطُلُ وَالرِّوَايَةُ الظَّاهِرَةُ عَنْهُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ شَهْرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَخَرَجَ هَذَا الطَّلَبُ عَنْ كَوْنِ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ مُبْطِلًا لَهُ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الثَّانِي مُقَدَّرَةٌ بِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَعَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى الْفَوْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَطْلُبَهَا عَلَى فَوْرِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ أَنْ يَطْلُبَهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَكُونُ الْمُرَادُ السُّكُوتَ عَنْ الطَّلَبِ الثَّانِي مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الطَّلَبِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مُرَادًا بِكَوْنِ السُّكُوتِ مُبْطِلَهُ، هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُنْدَرِجٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي ثُبُوتَ الْبَيَانِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ اهـ وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ الطَّلَبِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبَ التَّقْرِيرِ ثُمَّ هُنَا تَنْبِيهَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ وَالشَّفِيعِ نَصُّوا عَلَى مَضْمُونِهِمَا أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ بِسُكُوتِهِمَا السُّكُوتُ الِاخْتِيَارِيُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَ فَهْمًا لَا يَكُونُ إجَازَةً إذَا رَدَّتْ وَطَلَبَ فِي فَوْرٍ زَوَالَ ذَلِكَ.
ثَانِيهُمَا: لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ سُكُوتِهِمَا إجَازَةً فِي حَقِّهَا، وَإِسْقَاطًا لِلشُّفْعَةِ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِكَوْنِهِ إجَازَةً وَإِسْقَاطًا أَوْ لَا وَيَظْهَرُ جَرَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
الْقِسْمُ (الرَّابِعُ الثَّابِتُ ضَرُورَةُ الطُّولِ فِيمَا تُعُورِفَ) أَيْ دَلَالَةُ السُّكُوتِ عَلَى تَعْيِينِ مَعْدُودٍ تُعُورِفَ حَذْفُهُ ضَرُورَةَ طُولِ الْكَلَامِ بِذِكْرِهِ مَعَ وُجُودِ مَعْطُوفٍ عَلَى عَدَدِهِ يُفِيدُهُ عُرْفًا وَهُوَ قِسْمَانِ مَا كَانَ مُبَيَّنًا بِنَفْسِهِ كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَمَا كَانَ مِقْدَارًا شَرْعِيًّا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (كَمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ وَدِينَارٍ أَوْ وَقَفِيزٍ) مِنْ بُرٍّ مَثَلًا فَالسُّكُوتُ عَنْ مُمَيِّزِ الْمِائَةِ فِي هَذِهِ يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَفِي الثَّانِي مِنْ الدَّنَانِيرِ وَفِي الثَّالِثِ مِنْ الْقُفْزَانِ (بِخِلَافِ) لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ (وَعَبْدٌ) وَمِائَةٌ (وَثَوْبٌ) فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ فِي هَذَيْنِ لَيْسَ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا الْمُمَيِّزُ مِمَّا تُعُورِفَ حَذْفُهُ فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهِمَا عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ الْمِائَةُ مِنْ الْعَبِيدِ وَلَا مِنْ الثِّيَابِ فَيَلْزَمُهُ عَبْدٌ وَثَوْبٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ فِي أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ لِضَرُورَةِ طُولِ الْكَلَامِ كَمَا فِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ عَلَى الْكَامِلَةِ نَحْوِ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ حَتَّى قَالَ: يُطَلَّقَانِ كَقَوْلِنَا: خَالَفَ فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي جَمِيعِهَا يَلْزَمُهُ مَا بَعْدَ الْمِائَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا لَهَا فَإِنَّ الْعَطْفَ لَا يَصْلُحُ بَيَانًا لَهَا لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّغَايُرِ وَمَبْنَى التَّفْسِيرِ عَلَى الِاتِّحَادِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ لَكَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَعَبْدٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ وَثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ أَحَدَ الْمُبْهَمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا لِحَاجَةِ كُلٍّ إلَيْهِ قُلْنَا: حَذْفُ تَمْيِيزِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُتَعَارَفٌ فِي الْعَدَدِ إذَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُفَسِّرٌ لَهُ ضَرُورَةَ طُولِ الْكَلَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ كَمَا فِي بِعْته بِمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ وَهَلُمَّ جَرًّا يُرَادُ بِالْجَمِيعِ الدَّرَاهِمُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِيهِمَا كَذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالثَّوْبُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مِقْدَارٌ شَرْعِيٌّ لِانْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا كَثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي عَقْدٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْمُسْلِمُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ مُؤَجَّلًا قُلْت: وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute