بِهِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ (وَفِي ادِّعَاءِ أَكْبَرِ وَلَدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ نَفْيٌ لِغَيْرِهِ) وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَسُكُوتُهُ عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ بَعْدَ الدَّعْوَةِ الْأَكْبَرُ فَإِنَّهُ نَفْيٌ لَهُمَا أَيْ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا سُكُوتُ الْمَوْلَى عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْهُ فِيمَا إذَا أَتَتْ أَمَتُهُ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ ثَلَاثَةٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ دَعْوَتِهِ أَكْبَرَهُمْ فَإِنَّ سُكُوتَهُ عَنْ دَعْوَتِهِمَا نَفْيٌ لِنَسَبِهِمَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمَوْلَى، وَهِيَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ فَرْضٌ كَمَا أَنَّ نَفْيَ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَرْضٌ أَيْضًا فَكَانَ سُكُوتُهُ عَنْ بَيَانِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْهُ دَلِيلَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالنَّفْيِ (وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ) أَيْ نَسَبِ غَيْرِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا وَلَدَا أُمِّ وَلَدِهِ بِدَعْوَةِ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِدَعْوَتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَةٍ لِكَوْنِهَا فِرَاشًا.
وَمِنْ هُنَا قَالَ زُفَرُ: يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا أَيْضًا (لِمُقَارَنَةِ النَّفْيِ الِاعْتِرَافَ بِالْأُمُومَةِ) أَيْ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ غَيْرِ الْأَكْبَرِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ نَفْيَهُ ثُبُوتُ أُمُومَتِهَا لَكِنَّهُ مُقَارَنَةٌ بِسُكُوتِهِ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَدَعْوَتُهُ الْأَكْبَرَ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ وِلَادَتِهِمَا بَلْ بَعْدَهَا فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَقْتَ وِلَادَتِهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ فَكَانَ انْفِصَالُهُمَا قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهَا فَيَكُونَانِ وَلَدَيْ الْأَمَةِ فَيَحْتَاجُ ثُبُوتُ نَسَبِهِمَا إلَى الدَّعْوَةِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ بِلَفْظِ الْأَكْبَرِ ابْنِي أَوْ بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي فَانْتَفَى تَوَهُّمُ أَنَّ نَفْيَ مَا سِوَاهُ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ ثُمَّ إيرَادُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِهِ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْوَضْعَ إنَّمَا كَانَ فِي دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ وَالسُّكُوتِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَوَّلَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَوْسَطَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَكْبَرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَلِلْأَصْغَرِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْيًا لَهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِثَلَاثَةِ بُطُونٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُمْ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاعْتِرَافُهُ بِأَحَدِهِمْ اعْتِرَافٌ بِالثَّانِي ضَرُورَةً كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ
الْقِسْمُ (الثَّالِثُ: اعْتِبَارُهُ) أَيْ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ سُكُوتِ السَّاكِتِ دَلَالَةً كَالنُّطْقِ (لِدَفْعِ التَّغْرِيرِ) أَيْ لِضَرُورَةِ دَفْعِ وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْغُرُورِ (كَدَلَالَةِ سُكُوتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ يَشْتَرِي مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْحَاجَةُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ (عَنْ النَّهْيِ) عَنْ ذَلِكَ (عَلَى الْإِذْنِ) فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِيهَا أَفْضَى إلَى ضَرَرِ النَّاسِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَى إذْنِهِ فَلَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ فَإِذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَقَالَ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ عِتْقِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَقَدْ لَا يَقَعُ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَالْغُرُورِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ الْحَجْرُ الْخَاصُّ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ نَعَمْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ إجَازَةً لِبَيْعِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ أَذِنَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ إذْنًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لِفَرْطِ الْغَيْظِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَحْجُورٌ شَرْعًا، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً. قُلْنَا تُرَجَّحُ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بِرَدِّ تَصَرُّفِهِ وَإِظْهَارِ نَهْيِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ (وَسُكُوتُ الشَّفِيعِ) أَيْ وَكَدَلَالَةِ سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ عَلَى إسْقَاطِهَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْغُرُورِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُ الشَّفِيعِ إسْقَاطًا لَهَا لِنَقْضِهِ لَوْ وَقَعَ ظَنًّا مِنْهُ أَنْ لَا غَرَضَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ جَعَلَ سُكُوتَهُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى إسْقَاطِهَا هَذَا مَا قَالُوهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ فِي الشُّفْعَةِ ثَلَاثَةٌ:
طَلَبُ مُوَاثَبَةِ أَنْ يَطْلُبُهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ أَوْ لَا وَطَلَبَ تَقْرِيرَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute