للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَيَقْبَلُ الْغَيْرُ ذَلِكَ، فَالْقِيَاسُ فَسَادُ هَذَا الْعَقْدِ لِعَدَمِ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُحْتَاجِ إلَى بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَهُوَ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْبَاقِي لَهُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَالِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ صِحَّةُ هَذَا الْعَقْدِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيَانَ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ وَلَك نِصْفُهُ طَوَى ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِكَوْنِ الْبَاقِي لِلْآخَرِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ دَلَّ السُّكُوتُ عَنْ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ نَصِيبُهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَقَوْلِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ

الْقِسْمُ (الثَّانِي دَلَالَةُ حَالِ السَّاكِتِ) الَّذِي وَظِيفَتُهُ الْبَيَانُ مُطْلَقًا أَوْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِسَبَبِ سُكُوتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ (كَسُكُوتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَمْرٍ يُشَاهِدُهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَيْسَ مُعْتَقَدَ كَافِرٍ، وَلَا سَبَقَ تَحْرِيمُهُ كَالْمُعَامَلَاتِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا وَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ نَهْيٌ عَنْهَا وَلَا نَكِيرٌ عَلَى فَاعِلِيهَا فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ حَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ النَّاسَ عَلَى مُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ لِلْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ، وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَالَ {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: ١٥٧] (وَسَيَأْتِي فِي السُّنَّةِ) بَيَانٌ مُسْتَقْصًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَسُكُوتُ الصَّحَابَةِ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ ثُمَّ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ أَمَةً لِلْغَيْرِ فَإِنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ بَدَنِ الْوَلَدِ بِوُجُوبِ قِيمَتِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَغْرُورِ مَعَ حُكْمُهُمْ بِرَدِّ الْجَارِيَةِ عَلَى مَوْلَاهَا وَبِوُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَى الْمَغْرُورِ لِلْمَوْلَى وَبِكَوْنِ وَلَدِهِ مِنْهَا حُرًّا بِالْقِيمَةِ (يُفِيدُ عَدَمَ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ) وَأَنَّهَا بِالْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَتِهِ لَا تَضَمُّنٍ بِدَلَالَةِ حَالِهِمْ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ جَاءَ طَالِبًا لِحُكْمِ الْحَادِثَةِ غَيْرَ عَالَمٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بَيَانُهُ فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ النَّفْيِ؛ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ السُّكُوتُ عَنْ وَاجِبٍ لِجَاهِلٍ بِهِ وَالْمُفِيدُ لِسُكُوتِهِمْ عَنْهُ عِدَّةُ آثَارٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْفَاظِ أَخْرَجَ بَعْضَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبَعْضَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - طَوَيْنَا ذِكْرَهَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ

وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَمِنْ هُنَا حُكِيَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ (سُكُوتُ الْبِكْرِ) عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ أَوْ رَسُولِهِ إلَيْهَا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ أَوَّلًا عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ أَوْ عِنْدَ بُلُوغِهَا ذَلِكَ عَنْ الْوَلِيِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ فِي الْمَبْلَغِ بِعُرْفٍ فِي مَبَاحِثِ السُّنَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى فَإِنَّ سُكُوتَهَا فِي إحْدَى هَاتَيْنِ الْحَالَيْنِ يُفِيدُ الْإِجَازَةَ بِدَلَالَةِ حَالِهَا، وَهِيَ الْحَيَاءُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِجَازَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَالْوَقَاحَةِ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِيُ فَتَسْكُتُ قَالَ: سُكُوتُهَا إذْنُهَا» وَلَا تَمْتَنِعُ عَادَةً مِنْ التَّصْرِيحِ بِالرَّدِّ لَا سِيَّمَا وَغَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ.

وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زُوِّجَتْ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْهَا عَدَمُ الرَّدِّ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ مَنْ إذْنُهَا مُعْتَبَرٌ فِي ذَلِكَ شَرْعًا فَتَخْرُجُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَالْمَجْنُونَةُ كَمَا أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الثَّيِّبَ الْمُعْتَبَرَ إذْنُهَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا إجَازَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>