للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَحَقَّقُ بِمَا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَهَا بَلْ رُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ بِالْمُثْقَلِ؛ لِأَنَّهُ يُزْهِقُ الرُّوحَ بِنَفْسِهِ وَالْجَارِحَ بِوَاسِطَةِ السِّرَايَةِ.

(فَادِّعَاءُ قُصُورِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ (فِي الْعَمْدِيَّةِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (مَرْجُوحٌ) كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى اللَّبِيبِ الْمُنْصِفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَوْلُ بِأَنَّ مِنْ الدَّلَالَةِ قِسْمًا ظَنِّيًّا تَنَازَعَتْهُ آرَاءُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ الْمُبَرَّزِينَ مَعَ أَنَّ الدَّلَالَةَ مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ مُشْكِلٍ لِظُهُورِ عَدَمِ صِدْقِ هَذَا عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا يُوجِبُ تَوَارُدَ الْأَفْهَامِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءٍ وَلَا اخْتِلَافٍ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْقَطْعِيِّ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ مَا حَصَرَهَا فِيهِ أَوْ ذُكِرَ شَيْءٌ فِي بَيَانِهَا يُصَحِّحُ صِدْقَهَا عَلَى هَذَا أَيْضًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ

(وَإِلَى مَفْهُومِ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (عَلَى) ثُبُوتِ (نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ وَهُوَ أَقْسَامٌ مَفْهُومُ الصِّفَةِ عِنْدَ تَعْلِيقٍ بِمَوْصُوفٍ بِمُخَصِّصٍ) فَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمَوْصُوفِ بِمَا يُنْقِصُ شُيُوعَ مَعْنَاهُ عَلَى نَقِيضِ حُكْمِهِ لَهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَبِمُخَصِّصٍ عَلَى بِنَاءِ اسْمِ الْفَاعِلِ مُتَعَلِّقٌ بِمَوْصُوفٍ، وَهُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ بِوَصْفٍ مُخَصِّصٍ (لَا كَشْفٍ) أَيْ لَا يُوصَفُ كَاشِفٌ عَنْ مَعْنَى الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: ١٩] {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج: ٢٠] {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: ٢١] وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ثَعْلَبٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَاهِرٍ لَمَّا سَأَلَهُ مَا الْهَلَعُ: قَدْ فَسَّرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا يَكُونُ تَفْسِيرٌ أَبْيَنَ مِنْ تَفْسِيرِهِ وَهُوَ الَّذِي إذَا نَالَهُ شَرٌّ أَظْهَرَ شِدَّةَ الْجَزَعِ.

وَإِذَا نَالَهُ خَيْرٌ بَخِلَ بِهِ، وَمَنَعَ النَّاسَ (وَمَدْحٍ وَذَمٍّ) أَيْ: وَلَا بِوَصْفٍ مَادِحٍ وَلَا ذَامٍّ وَلَا مُتَرَحِّمٍ عَلَى الْمَوْصُوفِ أَيْضًا نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ الْعَالِمُ، أَوْ الْجَاهِلُ أَوْ الْفَقِيرُ إذَا كَانَ زَيْدٌ مُتَعَيِّنًا قَبْلَ ذِكْرِهَا وَلَا بِوَصْفٍ مُؤَكِّدٍ، وَهُوَ مَا مَوْصُوفُهُ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَاهُ كَأَمْسِ الدَّابِرِ لَا يَعُودُ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا مَوْصُوفَاتِهَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَحَدُهَا بَلْ لِقَصْدِ إفَادَةِ اتِّصَافِهَا بِهَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالتَّرَحُّمِ وَالتَّأْكِيدِ (وَمَخْرَجِ الْغَالِبِ كَاَللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَوَصْفِ الرَّبَائِبِ بِاَللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] وَهُنَّ جَمْعُ رَبِيبَةٍ بِنْتُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ مِنْ آخَرَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرُبُّهَا غَالِبًا كَمَا يَرُبُّ وَلَدَهُ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى سُمِّيَتْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرُبَّهَا وَإِنَّمَا لَحِقَتْهُ الْهَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ اسْمًا فَإِنَّ كَوْنَهُنَّ فِي حُجُورِ أَزْوَاجِ الْأُمَّهَاتِ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِنَّ فَوَصْفُهُنَّ بِهِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ (فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ فَلَا يَدُلُّ هَذَا الْكَلَامُ الْمُفِيدُ لِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهِنَّ فِي حُجُورِهِمْ وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذِكْرِهِ كَمَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ تَقْوِيَةُ الْعِلَّةِ وَتَكْمِيلُهَا.

وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّبَائِبَ إذَا دَخَلْتُمْ بِأُمَّهَاتِهِنَّ، وَهُنَّ فِي احْتِضَانِكُمْ أَوْ بِصَدَدِهِ قَوِيَ الشَّبَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فَصَارَتْ أَحِقَّاءَ بِأَنْ تُجْرُوهَا مُجْرَاهُمْ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَإِلَّا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعْلُهُ شَرْطًا حَتَّى إنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ وَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ لَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَدُلُّ الْعَادَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا فَالْمُتَكَلِّمُ يَكْتَفِي بِدَلَالَتِهَا عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا عَنْ ذِكْرِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لِانْحِصَارِ غَرَضِهِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً فَغَرَضُ الْمُتَكَلِّمِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ إفْهَامُ السَّامِعِ ثُبُوتَهَا لِلْحَقِيقَةِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ لِخُلُوِّ الْقَيْدِ عَنْ الْفَائِدَةِ لَوْلَاهُ، وَهُوَ إذَا كَانَ الْغَالِبُ يُفْهَمُ مِنْ النُّطْقِ بِاللَّفْظِ أَوَّلًا لِغَلَبَتِهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ تَأْكِيدًا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ.

وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَفْهُومِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْغَالِبَ مُلَازِمٌ لِلْحَقِيقَةِ فِي الذِّهْنِ فَذِكْرُهُ مَعَهَا عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا لِحُضُورِهِ فِي ذِهْنِهِ لَا لِتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أُرَاهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ التَّعْلِيقَ بِالْمَفْهُومِ

<<  <  ج: ص:  >  >>