للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ ظُهُورُهُ أَضْعَفُ مِنْ ظُهُورِ غَيْرِهِ (وَجَوَابِ سُؤَالٍ عَنْ الْمَوْصُوفِ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ عَنْ مَوْصُوفٍ بِهِ كَمَا لَوْ قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَقَالَ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» فَإِنَّ تَقْيِيدَهُ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِيهَا بِالسَّائِمَةِ هُنَا لِبَيَانِ الْجَوَابِ فِي مَحَلِّ السُّؤَالِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِهَا (وَبَيَانِ الْحُكْمِ لِمَنْ هُوَ لَهُ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ خَرَجَ مَخْرَجَ بَيَانِ الْحُكْمِ لِمَنْ يَكُونُ الْغَرَضُ بَيَانَ الْحُكْمِ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ لَا غَيْرُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» .

فَإِنَّ تَقْيِيدَ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا بِالسَّائِمَةِ بَيَانٌ لِحُكْمِهَا بِهَذَا الْوَصْفِ دُونَ غَيْرِهِ لِمَنْ هِيَ لَهُ (لِتَقْدِيرِ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِحُكْمِهِ) أَيْ لِتَقْدِيرِ الْمُتَكَلِّمِ جَهْلَ الْمُخَاطَبِ بِحُكْمِ الْمَوْصُوفِ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِهِ فَضْلًا عَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِهِ (أَوْ ظَنِّ الْمُتَكَلِّمِ) أَيْ: أَوْ لِتَقْدِيرِ ظَنِّ الْمُتَكَلِّمِ عِلْمَ الْمُخَاطَبِ بِحَالِ السُّكُوتِ عَنْهُ كَظَنِّهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (أَوْ جَهْلِهِ) أَيْ أَوْ لِتَقْدِيرِ جَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ بِحَالِ الْمَسْكُوتِ كَالْمَعْلُوفَةِ فِيمَا مَثَّلْنَا إذَا كَانَ قَائِلُهُ غَيْرَ الشَّارِعِ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْمَفْهُومِ بِكَلَامِ الشَّارِعِ حَتَّى يَمْتَنِعَ هَذَا فِيهِ (وَخَوْفٍ يَمْنَعُ ذِكْرَ حَالِهِ) أَيْ وَلَا بِوَصْفٍ يَكُونُ السَّبَبُ فِي ذِكْرِ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ خَوْفًا يَمْنَعُ ذِكْرَهُ حَالَ الْمَسْكُوتِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُوَافَقَتُهُ لِلْمَنْطُوقِ فِيهِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمُرَادُهُ وَغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِمَّا يَكُونُ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ غَيْرَ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْمَفْهُومِ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ ظُهُورِ مَا عَدَا نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ مِنْ الْفَوَائِدِ فَإِذَا ظَهَرَتْ فَائِدَةُ غَيْرِهِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا ثُمَّ مَثَّلَ لِمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمَفْهُومُ لِفَرْضِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ بِقَوْلِهِ (كَفِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ يُفِيدُ) الْوَصْفُ بِالسَّوْمِ (نَفْيَهُ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ (عَنْ الْعَلُوفَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْمَعْلُوفَةِ ثُمَّ كَوْنُ هَذَا مِثَالًا لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ مَحْكِيٌّ عَنْ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ

وَذَكَرَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ لِاخْتِلَالِ الْكَلَامِ بِدُونِهِ كَاللَّقَبِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى السَّوْمِ الزَّائِدِ عَلَى الذَّاتِ مَعَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مُلَاحَظُ الْإِرَادَةِ تَقْدِيرًا وَلِلْمُقَدَّرِ حُكْمُ الْمَذْكُورِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا خَاصًّا كَالْغَنَمِ تَعَيَّنَ وَجَاءَ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا فِيهِ إذَا كَانَ مَذْكُورًا وَهُوَ أَنَّ مُحَقِّقِي الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ لَا يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي نَوْعٍ آخَرَ فَالْمَفْهُومُ أَوْلَى أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَعِ لَهُ وَآخَرِينَ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَهَا عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِصِفَةٍ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ يَتْبَعُ عِلَّتَهُ فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا خَاصًّا كَانَ الظَّاهِرُ الْقَصْدَ إلَى مَا يَعُمُّ الْأَجْنَاسَ كَالْأَنْعَامِ لِصَلَاحِيَّةِ الْقَصْدِ وَفَقْدِ الْمَانِعِ مِنْهُ، وَوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ غَيْرِهِ؛ إذْ لَيْسَ كَوْنُ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ مُرَادًا دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ سَائِرِهَا (وَالشَّرْطُ) أَيْ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِحُكْمٍ مُعَلَّقٍ (عَلَى شَرْطٍ) لِمَذْكُورٍ عَلَى نَقِيضِهِ فِي الْمَسْكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦] فَلَا نَفَقَةَ لِمُبَانَةٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْحَامِلِ مِنْ الْمُبَانَاتِ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُبَانَةِ ذَاتَ حَمْلٍ لِمَذْكُورٍ هُوَ ذَاتُ الْحَمْلِ فِي الْمَسْكُوتِ وَهُوَ الْمُبَانَةُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِمُطَلَّقَةٍ غَيْرِهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ النَّفَقَةَ فِي الْعِدَّةِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ لَا (وَالْغَايَةُ) أَيْ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِحُكْمٍ (عِنْدَ مَدِّهِ) أَيْ الْحُكْمِ (إلَيْهَا) أَيْ الْغَايَةِ عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] (فَتَحِلُّ) لِلْأَوَّلِ (إذَا نَكَحَتْ) غَيْرَهُ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>