مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي بَعْدَ الْغَايَةِ وَالْحِلِّ نَقِيضُ الْحُكْمِ الْمَمْدُودِ إلَيْهَا هَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ
وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا بَعْدَهَا مَنْطُوقٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا فَقَوْلُهُ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ لِضَرُورَةِ تَتْمِيمِ الْكَلَامِ فَهُوَ إمَّا ضِدُّ مَا قَبْلَهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ فَيُقَدَّرُ حَتَّى تَنْكِحَ فَتَحِلَّ قَالَ: وَالْإِضْمَارُ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُضْمَرُ لِسَبْقِهِ إلَى فَهْمِ الْعَارِفِ بِاللِّسَانِ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ وَضْعِ اللُّغَةِ لِذَلِكَ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْعَدَدُ) أَيْ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِحُكْمٍ (عِنْدَ تَقْيِيدِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (بِهِ) أَيْ بِالْعَدَدِ عَلَى نَقِيضِ الْحُكْمِ فِيمَا عَدَا الْعَدَدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ وُجُوبِ الْجَلْدِ الْمُقَيَّدِ بِالْعَدَدِ فِيمَا عَدَاهُ ثُمَّ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ وَالْمَحْدُودَ وَالْمَعْدُودَ مَوْصُوفَةٌ فِي الْمَعْنَى بِمَضْمُونِ الشَّرْطِ وَالْحَدِّ وَالْعَدَدِ (فَرَجَعَ الْكُلُّ) الْمَاضِي ذِكْرُهُ مِمَّا عَدَا الصِّفَةَ (إلَى الصِّفَةِ مَعْنًى) لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ النَّعْتَ بَلْ الْمُتَعَرِّضَ لِقَيْدٍ فِي الذَّاتِ نَعْتًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ: حَصَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فِي وُجُوهٍ مِنْ التَّخْصِيصِ التَّخْصِيصِ بِالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَالْحَدِّ أَيْ الْغَايَةِ وَالتَّخْصِيصِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ مُعَبِّرٌ عَنْ جَمِيعِهَا بِالصِّفَةِ لَكَانَ مُنْقَدِحًا فَإِنَّ الْمَحْدُودَ وَالْمَعْدُودَ مَوْصُوفًا بِعَدَدِهِمَا وَحْدَهُمَا، وَالْمَخْصُوصُ بِالْكَوْنِ فِي مَكَان وَزَمَانٍ مَوْصُوفٍ بِالِاسْتِقْرَارِ فِيهِمَا قُلْت إلَّا أَنَّهُ وَإِنْ رَجَعَ الْجَمِيعُ إلَيْهَا لَمْ يُعْطَ سَائِرَ أَحْكَامِهَا فَقَدْ قَالُوا قَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كُلُّ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ كُلٌّ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَقَالُوا: أَقْوَى الْأَقْسَامِ مَفْهُومُ الْغَايَةِ ثُمَّ مَفْهُومُ الشَّرْطِ ثُمَّ مَفْهُومُ الصِّفَةِ، وَعِبَارَةُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَالصِّفَةُ الْمُنَاسِبَةُ فَمُطْلَقُ الصِّفَةِ غَيْرُ الْعَدَدِ فَالْعَدَدُ، وَقَالُوا: وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي التَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى (وَالِاتِّفَاقُ) بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِهِ عَلَى (أَنَّهُ ظَنِّيٌّ) إلَّا أَنَّ بَيْنَ أَقْسَامِهِ تَفَاوُتًا فِي الظَّنِّ كَمَا ذَكَرْنَا (وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ تَعْلِيقٌ بِجَامِدٍ) أَيْ دَلَالَةُ تَعْلِيقِ حُكْمٍ بِاسْمِ جَامِدٍ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ (كَفِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ غَيْرِ الْغَنَمِ
(وَالْفِرَقُ) مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِهِ (سِوَى شُذُوذٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ، وَالْحَنَفِيَّةُ يَنْفُونَهُ) أَيْ اعْتِبَارَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (بِأَقْسَامِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فَقَطْ) فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابَاتِ الشَّارِعِ فَأَمَّا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ، وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ يَدُلُّ اهـ.
وَتَدَاوَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَيَتَرَاءَى أَنَّ عَلَيْهِ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ مَالِكٌ: عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ فِي: مَا لَكَ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ، وَلَا أَقَلُّ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْحَنَفِيَّةِ مُعْظَمُهُمْ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَالْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُعَارَضًا بِمَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالذِّكْرِ حُكْمُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَا وَصْفَيْنِ فَخَصَّ أَحَدَهُمَا بِالذِّكْرِ أَوْ ذَا أَوْصَافٍ كَثِيرَةٍ فَخَصَّ بَعْضَهَا بِهِ ثُمَّ عَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ، وَكَذَا كَانَ يَقُولُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنُ وَيُعْزَى ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِنَا ثُمَّ يُقَدَّمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَرْخِيِّ عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِ شَيْخِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْكَرْخِيِّ، وَفِي الْبَدَائِعِ مُشِيرًا إلَى مَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْ ابْن عُمَرَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute