نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ قَالَ لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ» الْحَدِيثَ فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَرْبُ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَأَجَابَ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَهَذَا حَيْدٌ عَنْ الْجَوَابِ أَوْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي مَذْكُورٍ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ أَجْوِبَةً مِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا خَصَّ الْمِخْيَطَ عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى حُكْمٍ فِي مَذْكُورٍ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيْدٌ عَنْ الْجَوَابِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِمَنْصِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَوَابِ عَنْ غَيْرِ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيصَ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَأَمَّا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ.
فَأَفَادَ مَا تَرَى مِنْ التَّقْيِيدِ ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فَقَطْ يُفِيدُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُمْ لَا يَنْفُونَهُ فِي اللُّغَةِ كَمَا لَا يَنْفُونَهُ فِي الْعُرْفِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فِي النِّضَالِ فِي هَذَا الْمَجَالِ ثُمَّ لَمَّا كَانُوا مُوَافِقِينَ عَلَى غَالِبِ أَحْكَامِ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُوهِمًا كَوْنَهُمْ قَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِيهَا حَتَّى وَقَعَ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ فَعَزَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ لِإِسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ أَشَارَ إلَى الْمُسْتَنَدِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ مَعَ اسْتِطْرَادِ بَيَانِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا فِي الْمِثَالِ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ بِحُكْمِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ فَقَالَ (وَيُضِيفُونَ حُكْمَ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَمَفْهُومِ الشَّرْطِ (إلَى الْأَصْلِ) أَيْ مَا هُوَ الْحُكْمُ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يُخَالِفُونَهُ (إلَّا لِدَلِيلٍ) يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ (وَالْأَخِيرَيْنِ) أَيْ مَفْهُومِ الْغَايَةِ وَمَفْهُومِ الْعَدَدِ (إلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَرَّرَهُ السَّمْعُ) فَيَقُولُونَ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَعْلُوفَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِيهَا وَلَا فِي الْمَعْلُوفَةِ ثُمَّ الشَّارِعُ أَوْجَبَهَا فِي السَّائِمَةِ كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسْنَدُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ فَبَقِيَ حُكْمُهَا عَلَى مَا كَانَ لِفَقْدِ مَا يُوجِبُ خِلَافَهُ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ النَّفْيَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَالْبَقَرَةِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» فَفِي كَوْنِهِ نَصًّا فِي الْمَطْلُوبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ نَظَرٌ (وَيَمْنَعُونَ نَفْيَ النَّفَقَةِ) لِلْمُبَانَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ فَيَقُولُونَ: تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمُبَانَةِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ لِلدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ وَيَقُولُونَ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا بِنِكَاحِ غَيْرِهِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ الشَّرْعِيَّ إذَا خَرَجَتْ مِنْ عِدَّتِهِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ الْكَائِنِ قَبْلَ هَذَا كُلِّهِ فِيهَا الَّذِي أَقَرَّهُ السَّمْعُ بِعُمُومَاتٍ مُتَنَاوِلَةٍ لَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَبِعَدَمِ حِلِّ ضَرْبِ الْقَاذِفِ بِسَبَبِ الْقَذْفِ مَا يَزِيدُ عَلَى الثَّمَانِينَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْكَائِنِ قَبْلَ ارْتِكَابِ هَذَا السَّبَبِ الَّذِي أَقَرَّهُ السَّمْعُ بِالْعُمُومَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلْمَنْعِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْأَذَى الْمُتَنَاوِلَةِ لَهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا فَائِدَةُ وَصْفِ الْأَصْلِ فِي هَذَيْنِ بِهَذَا الْوَصْفِ هَذَا
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الشَّيْءِ انْتِهَاءٌ لَهُ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِمُقَابَلَةٍ فَلَفْظُ الْغَايَةِ أَفَادَ انْتِهَاءَ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِهِ وَلَزِمَ مِنْهُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ سَوْقِ الْكَلَامِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُعَدُّ مَفْهُومُ الْغَايَةِ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (وَأَلْحَقَ بَعْضُ مَشَايِخِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (بِالْمَفْهُومِ) الْمُخَالِفِ فِي النَّفْيِ
(دَلَالَةَ الِاسْتِثْنَاءِ) فَقَالُوا: لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى ثُبُوتِ ضِدِّ حُكْمِ الصَّدْرِ لِمَا بَعْدَ إلَّا (وَالْحَصْرِ) أَيْ وَدَلَالَةَ الْحَصْرِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي مِثْلِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالْعَالِمُ زَيْدٌ) غَيْرُ مُرَادٍ بِتَعْرِيفِ الْعَالِمِ عَهْدٌ، وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِالْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَبِالثَّانِي صَاحِبُ الْبَدِيعِ
وَأَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَعَدُوّهُمَا مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عِنْدَنَا عِبَارَةٌ وَمَنْطُوقٌ إلَّا فِي حَصْرِ اللَّامِ وَالتَّقْدِيمِ) كَالْعَالِمِ زَيْدٌ وَصَدِيقِي بَكْرٌ فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute