دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ لَيْسَ بِهَذَا الطَّرِيقِ (فَمَا بِالْأَدَاتَيْنِ) أَيْ فَأَمَّا إفَادَةُ النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ مِنْ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا وَبِمَا أَوْ لَا أَوْ لَمْ وَإِلَّا (ظَاهِرٌ) غَايَتُهُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً، وَقَدْ يَكُونُ ادِّعَاءً (وَسَيُعْرَفُ) هَذَا وَكَذَا مَا قَبْلَهُ فِي مَوَاضِعِهِ (وَقَدْ نَفَوْا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (الْيَمِينَ عَنْ الْمُدَّعِي بِحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (بِوَاسِطَةِ الْعُمُومِ) فِي قَوْلِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَإِنَّهُ يُفِيدُ حَصْرَ الْيَمِينِ فِي جِنْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي ضَرُورَةَ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْحَصْرَ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَحَاصِلُ هَذَا تَضْعِيفُ نِسْبَةِ نَفْيِ دَلَالَةِ الْحَصْرِ عَلَى النَّفْيِ إلَى الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَشْحُونٌ بِاعْتِبَارِهِ (وَقِيلَ الْعَدَدُ اتِّفَاقٌ) أَيْ اعْتِبَارُ مَفْهُومِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا (لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ) فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْأَذَى فَدَخَلَتْ فِي الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَلَنَا أَنَّ السَّبُعَ صَيْدٌ لِتَوَحُّشِهِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ لِجِلْدِهِ أَوْ لِيُصَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ (لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ) الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» فَإِنَّ جَوَازَ قَتْلِ غَيْرِهَا إلْحَاقًا بِهَا يَنْفِي فَائِدَةَ تَخْصِيصِ اسْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ الْمُحِيطَةِ بِالْمُلْحَقِ وَغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَهُ بِاسْمٍ عَامٍّ مِثْلِ يُقْتَلُ كُلُّ عَادٍ مُنْتَهِبٍ.
(وَالْحَقُّ أَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ) أَيْ نَفْيَ حِلِّ قَتْلِ مَا سِوَى هَذِهِ الْخَمْسِ مِمَّا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ ابْتِدَاءً عِنْدَنَا إذَا قُلْنَا بِهِ إنَّمَا هُوَ (بِالْأَصْلِ) الَّذِي أَفَادَهُ السَّمْعُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ ذَلِكَ بِالتَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] لَا بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَرِدُ حِلُّ قَتْلِ الذِّئْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا حِلُّ قَتْلِ الْحَيَّةِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ، وَازْدَادَ حِلُّ قَتْلِ بَعْضِهَا تَأْكِيدًا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْحَيَّةُ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ إلَّا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اسْتَثْنَى حِلَّ قَتْلِهِ مِمَّا عَرَضَ لَهُ التَّحْرِيمُ بِالْإِحْرَامِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورُ (يَكْفِي إلْزَامًا) لِلشَّافِعِيِّ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ يَعْنِي أَنَّك تَقُولُ بِحُجِّيَّةِ هَذَا الْمَفْهُومِ فَإِلْحَاقُك غَيْرَ الْخَمْسَةِ بِهَا يَكُونُ إبْطَالًا لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا (عَلَى مَا ظُنَّ) لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَنْفَصِلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِتَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَفْهُومِ (لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (قَدْ زَادُوا عَلَى الْخَمْسِ) فَأَجَازُوا لِلْمُحْرِمِ قَتْلَ الذِّئْبِ فَأَبْطَلُوا الْعَدَدَ، فَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَوْجَبَ نَفْيَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ.
قُلْنَا: وَكَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي السَّبُعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت إلَّا أَنَّ جَوَازَ قَتْلِ الذِّئْبِ ابْتِدَاءً قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَرَضِيِّ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَإِلَّا فَفِي شَرْحِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ لَا تُبِيحُونَ قَتْلَ الذِّئْبِ قِيلَ لَهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ» فَذَكَرَ الْخَمْسَ مَا هُنَّ فَذِكْرُهُ الْخَمْسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْخَمْسِ حُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِهِنَّ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْخَمْسِ مَعْنًى اهـ ثُمَّ إنَّمَا يَتِمُّ التَّعَقُّبُ بِجَوَازِ قَتْلِهِ ابْتِدَاءً عَلَى قَوْلِهِ بِهِ إذَا كَانَ صَيْدًا كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَكِلَاهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ يَحِلُّ قَتْلُهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَصِلْ لِأَنَّ عِلَّةَ إبَاحَةِ قَتْلِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ هِيَ الِابْتِدَاءُ بِالْأَذَى وَالْعَدْوُ عَلَى النَّاسِ غَالِبًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ وُرُودُ النَّصِّ فِي تِلْكَ وُرُودًا فِي هَذِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ فَإِنَّ الْمَسْطُورَ فِيهَا أَنَّهُ يَقْتُلُ سَائِرَ السِّبَاعِ إذَا صَالَتْ عَلَيْهِ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ خِلَافًا لِزُفَرَ لَا إذَا لَمْ تَصِلْ حَتَّى لَوْ قَتَلَهَا حِينَئِذٍ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اللَّهُمَّ إلَّا الْأَسَدَ عَلَى مَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ.
ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَمَّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَى الْخَمْسِ مِنْ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute