للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْأَصْلِ، وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى رَأْيِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُ الذِّئْبِ أَوْ وَالسَّبُعِ ابْتِدَاءً بِلَا جَزَاءٍ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الصُّيُودِ الْبَرِّيَّةِ سِبَاعًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا فَلِمُشَارَكَتِهِمْ الشَّافِعِيَّ فِي اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ إبْطَالُ الْعَدَدِ فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْهُ فَهُوَ جَوَابُهُ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَاهُنَّ مِنْ السِّبَاعِ الْمَذْكُورَةِ ابْتِدَاءً بِلَا جَزَاءٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَأَظْهَرُ لِعَدَمِ تَأَتِّي الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ لِاتِّحَادِ الْمَذْهَبَيْنِ هَذَا، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: وَقَدْ كُنْت أَسْمَعُ كَثِيرًا مِنْ شُيُوخِنَا يَقُولُونَ فِي الْمَخْصُوصِ بِعَدَدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ فَحُكْمُهُ بِخِلَافِهِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» أَنَّهُ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مَا عَدَاهُنَّ وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لِي مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُبَاحٍ، وَأَحْسَبُ مُحَمَّدَ بْنَ شُجَاعٍ قَدْ احْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا وَلَسْت أَعْرِفُ جَوَابَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ اهـ.

قُلْت: وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ظَاهِرٌ فِي هَذَا أَيْضًا وَهُوَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَافَقَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخَ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا إلْحَاقُ كُلٍّ مِنْهُمْ قَتْلَ الذِّئْبِ بِالْخَمْسِ، وَمِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ قَتْلَ السِّبَاعِ بِهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلِظَنِّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَدَدُ لِكَوْنِ الثَّابِتِ دَلَالَةً ثَابِتًا بِالنَّصِّ وَيَعْزُبُ أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي أَنَّهُ أَبْطَلَ خُصُوصَ الْخَمْسِ وَيَجِيءُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَذَكَرَ عَدَدًا يُحِيطُ بِهِ مَعَهَا أَوْ اسْمًا عَامًّا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ اتِّفَاقِ مَشَايِخِنَا عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَيْضَاوِيِّ فَلَا تَتِمُّ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.

(قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ (صَحَّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) بِلَفْظِ الْمُصَغَّرِ بِلَا هَاءٍ فِي آخِرِهِ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ كَمَا ذَكَرَ الْأَكْثَرُ، أَوْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بِلَفْظِ الْمُصَغَّرِ بِهَاءٍ فِي آخِرِهِ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى كَمَا فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (فَهْمُهُ) أَيْ مَفْهُومُ الصِّفَةِ (مِنْ لَيِّ الْوَاجِدِ وَمَطْلِ الْغَنِيِّ) أَيْ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» وَلَيُّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ مَطْلُهُ وَهُوَ مُدَافَعَتُهُ وَالتَّعَلُّلُ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ وَحِلُّ عِرْضِهِ أَنْ يَقُولَ مَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَذَكَرَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ عَنْهُ حِلَّ عِرْضِهِ أَنْ يَشْكُوَهُ، فَقَالَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لَا يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ، وَمِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» فَقَالَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ (وَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ) فَهْمُ مَفْهُومِ الصِّفَةِ مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهَا (نَقَلَهُ عَنْهُ خَلْقٌ) كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ (وَهُمَا) أَيْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ (عَالِمَانِ بِاللُّغَةِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَهْمَهُمَا ذَلِكَ لُغَةً؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَا يَفْهَمُونَ مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً لَا اجْتِهَادًا، وَإِنْ كَانَ احْتِمَالًا جَائِزًا؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِقَوْلِ أَئِمَّتِهَا مَعْنَاهُ كَذَا، وَهَذَا التَّجْوِيزُ قَائِمٌ فِيهِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي إفَادَتِهِ ظَنُّ ذَلِكَ ثُمَّ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ دَلِيلُ الْمَفْهُومِ اللُّغَةُ لَا الْعُرْفُ الْعَامُّ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَلَا الشَّرْعُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ.

(وَعُورِضَ) قَوْلُهُمَا (بِقَوْلِ الْأَخْفَشِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ) الْمُفِيدِ أَنَّ الْمُقَيَّدَ بِالصِّفَةِ لَا يَدُلُّ التَّقْيِيدُ بِهَا عَلَى نَفْيِ حُكْمِهِ عَمَّا عَدَاهُ وَهُمَا إمَامَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا مُحَمَّدٌ فَنَاهِيك بِهِ، وَقَدْ رَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ قَالَ: تَرَكَ أَبِي ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقْت خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى النَّحْوِ وَالشَّعْرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ ثُمَّ إنَّهُ لَجَدِيرٌ بِمَا قِيلَ

وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ ... كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ

وَأَمَّا الْأَخْفَشُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا أَيَّ الْأَخَافِشِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورِينَ هُوَ أَبُو الْخَطَّابِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ شَيْخُ سِيبَوَيْهِ أَوْ أَبُو الْحَسَنِ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ صَاحِبُ سِيبَوَيْهِ أَوْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ صَاحِبُ ثَعْلَبٍ وَالْمُبَرِّدِ فَلَا ضَيْرَ لِأَنَّ كُلًّا إمَامٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلَا يَنْهَضُ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ ذَيْنِك الْإِمَامَيْنِ مَعَ مُعَارَضَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>