للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ ذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَلَوْ ادَّعَى السَّلِيقَةَ فِي الشَّافِعِيِّ فَالشَّيْبَانِيُّ مَعَ تَقَدُّمِ زَمَانِهِ أَوْ الْعِلْمِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ لِلِاتِّبَاعِ فَكَذَا) أَيْ فَإِنْ زَعَمَ زَاعِمٌ تَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ الْقَائِلَ بِهِ ذُو طَبْعٍ سَلِيمٍ وَفَهْمٍ مُسْتَقِيمٍ أَوْ أَنَّهُ غَزِيرُ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ أَيْضًا فِي الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَائِلِ بِنَفْيِهِ مَعَ عِلَاوَةٍ فِي جِهَةِ مُحَمَّدٍ لَهَا مَدْخَلٌ فِي تَرَجُّحِ جَانِبِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهُوَ تَقَدُّمُ زَمَانِهِ عَلَى زَمَانِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجُمْلَةِ.

وَعَلَى أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ سَبْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ إذْ فِي مُتَقَدِّمِ الزَّمَانِ مِنْ إدْرَاكِ صِحَّةِ الْأَلْسِنَةِ مَا لَيْسَ فِي مُتَأَخِّرِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَغْنَى الصَّدْرُ الْأَوَّلُ عَنْ تَدْوِينِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَوُجِدَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِيمَا يَلِي زَمَانَهَا أَوْ فِي آخِرِهِ ثُمَّ مَازَالَ تَشْتَدُّ حَتَّى صَارَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَمَا اسْتَفَاضَ مِنْ السَّبَبِ فِي تَدْوِينِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ لِلنَّحْوِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ شَاهِدُ صِدْقٍ لِذَلِكَ ثُمَّ كِلَاهُمَا مِمَّنْ تُلْمِذَ لَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَخُصُوصًا الشَّافِعِيَّ حَتَّى ذَكَرَ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حَمَلْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقُرَى بَخْتِيٍّ كُتُبًا وَأَسْنَدَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْت سَمِينًا أَخَفَّ رُوحًا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَمَا رَأَيْت أَفْصَحَ مِنْهُ كُنْت إذْ رَأَيْته يَقْرَأُ كَأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الطَّبَقَاتِ وَرَوَى الرَّبِيعُ قَالَ: كَتَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى مُحَمَّدٍ وَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ كُتُبًا يَنْسَخُهَا فَأَخَّرَهَا عَنْهُ

قُولُوا لِمَنْ لَمْ تَرَ عَيْ ... نُ مَنْ رَآهُ مِثْلَهُ

وَمَنْ كَأَنَّ مَنْ رَآ ... هـ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهُ

الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ ... أَنْ يَمْنَعُوهُ أَهْلَهُ

لَعَلَّهُ يَبْذُلُهُ ... لِأَهْلِهِ لَعَلَّهُ

وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَا رَأَيْت أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ قَائِلِهِ (فَإِنْ قِيلَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى) بِالْقَبُولِ مِنْ النَّافِي عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ النَّافِيَ إنَّمَا يَنْفِي لِعَدَمِ الْوِجْدَانِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ إلَّا ظَنًّا وَالْمُثْبِتُ يُثْبِتُ لِلْوِجْدَانِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُودِ قَطْعًا فَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ.

(قُلْنَا ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ الْمُثْبِتِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ النَّافِي عِنْدَ التَّعَارُضِ إنَّمَا هُوَ (فِي نَقْلِ الْحُكْمِ عَنْ الشَّارِعِ وَنَفْيِهِ أَمَّا هُنَا) أَيْ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ اللُّغَوِيِّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (فَلَا أَوْلَوِيَّةَ) لِلْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي (وَسَيَظْهَرُ) وَجْهُهُ قَرِيبًا وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَالُوا) أَيْ الْمُثْبِتُونَ لِلْمَفْهُومِ مُطْلَقًا (لَوْ لَمْ يَدُلَّ) تَخْصِيصُ الْمُقَيَّدِ بِوَصْفٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ غَايَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (خَلَا التَّخْصِيصُ) بِذَلِكَ (عَنْ فَائِدَةٍ) لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ فَائِدَةِ غَيْرِهِ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِفَرْضِ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ، وَخُصُوصًا إنْ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ انْحِصَارِ الْفَائِدَةِ فِيهِ) أَيْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ؛ إذْ كُلٌّ مِنْ تَقْوِيَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَذْكُورِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خُرُوجُهُ بِتَخْصِيصٍ، وَمِنْ نَيْلِ ثَوَابِ الِاجْتِهَادِ بِالْقِيَاسِ فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ لَكِنْ فِي هَذَا كَلَامٌ سَيَتَعَرَّضُ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَذْكُرُ مَا يَظْهَرُ فِيهِ (وَبِأَنَّهُ) أَيْ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ (إثْبَاتُ اللُّغَةِ أَيْ وَضْعُ التَّخْصِيصِ) بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ (لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ جُعِلَ مَوْضُوعًا لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ (مُفِيدٌ وَهُوَ) أَيْ إثْبَاتُ اللُّغَةِ (بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّقْلِ أَوْ بِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَوَضْعُ بِالرَّفْعِ تَفْسِيرُ: " إثْبَاتُ اللُّغَةِ " وَالْبَاءُ فِي بِأَنَّهُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

(وَتَحْقِيقُ الِاسْتِدْلَالِ) الْمَذْكُورِ (يَدْفَعُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ (وَهُوَ) أَيْ تَحْقِيقُهُ (أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ) أَيْ التَّتَبُّعَ لِكَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ (دَلَّ عَنْهُمْ أَنَّ مَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>