غَيْرَ النَّسْخِ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النَّسْخِ (الْمُفَسَّرِ) اصْطِلَاحًا وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ فِي ظُهُورِهِمَا الْمَذْكُورِ، وَكَانَ التَّفْسِيرُ مُبَالَغَةَ الْفَسْرِ، وَهُوَ الْكَشْفُ سُمِّيَ بِهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى كَمَالِهِ الَّذِي هُوَ الِانْكِشَافُ بِلَا شُبْهَةٍ (وَيُقَالُ) : الْمُفَسَّرُ (أَيْضًا لَمَّا بُيِّنَ) الْمُرَادُ مِنْهُ (بِقَطْعِيٍّ) كَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ) لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ دَلَالَتِهِ مَا عَدَا الْمُتَشَابِهَ مِنْهَا وَهُوَ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكِلُ وَالْمُجْمَلُ لِمَا سَتَعْلَمُ مِنْ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَلْحَقُهُ الْبَيَانُ فِي هَذَا الدَّارِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ الْمُفَسَّرَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فِي الْحُكْمِ كَالنَّصِّ، وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبَيْنَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَنَاوَلُ مَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ خَفَاءٌ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ سَوَاءٌ احْتَمَلَ مَعَ ذَلِكَ النَّسْخَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ أَمْ لَا وَهُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ وَالنَّسْخَ كَمَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ، وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ عِنْدَهُمْ اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَنَّهُ لَا إطْلَاقَ لَهُ عَلَى مَا يُخَالِفُ هَذَا اصْطِلَاحًا، وَأَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْتَمِلَ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّيِّ عَلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْمُفَسَّرُ فَمَا ازْدَادَ وُضُوحًا عَلَى النَّصِّ سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنًى فِي النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ مُجْمَلًا فَلَحِقَهُ بَيَانٌ قَاطِعٌ فَانْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّأْوِيلِ أَوْ عَامًّا فَلَحِقَهُ مَا انْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّخْصِيصِ مَأْخُوذٌ مِمَّا ذَكَرْنَا اهـ.
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فَاضِلٌ مِنْ شَارِحِيهِ: يَعْنِي الْمُجْمَلَ الَّذِي لِحَقِّهِ الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِيرُ مُفَسَّرًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى الَّذِي عُرِفَ بِبَيَانِ الْمُجْمَلِ قَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ اهـ وَيَعْنِي وَأَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلنَّسْخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ هَذَا، وَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهُ وَكَذَا كَوْنُ مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى مَعَهُ احْتِمَالُ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ نَوْعًا مِنْ الْمُفَسَّرِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّقْوِيمِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يُخَالِفُهُمْ فِي هَذَا نَعَمْ فِي مِيزَانِ الْأُصُولِ: وَأَمَّا حَدُّهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَأَهْلِ الْأُصُولِ مَا ظَهَرَ بِهِ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ لِلسَّامِعِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ بِوُجُودِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الْمُرَادِ، وَكَذَا يُسَمَّى مُبَيَّنًا وَمُفَصَّلًا لِهَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُسَمَّى الْخِطَابُ وَالْكَلَامُ مُفَسَّرًا وَمُبَيَّنًا بِأَنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ وَالْمُشْكِلِ وَالْمُجْمَلِ الَّذِي صَارَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مَعْلُومًا لِلسَّامِعِ بِوَاسِطَةِ انْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ وَالْإِشْكَالِ اهـ.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ لَهُ مَعْنَيَانِ لَكِنْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَهُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ نَوْعَانِ مَا كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَمَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرَ مَكْشُوفٍ أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ مَكْشُوفًا بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ الْمُزِيلِ لِاحْتِمَالِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاشْتِرَاطِ احْتِمَالِ النَّسْخِ إمَّا بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ، وَإِمَّا لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْفَصْلُ الْمُمَيِّزُ لَهُ مِنْ الْمُحْكَمِ إنْ كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.
(وَإِنْ) بُيِّنَ الْمُرَادُ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ (بِظَنِّيٍّ) كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ (فَمُؤَوَّلٌ) اصْطِلَاحًا سُمِّيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute