للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ إمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِ حَالِهِ أَوْ مِنْ رُجُوعِهِ مِنْ بَعْضِ احْتِمَالَاتِهِ إلَى بَعْضٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ، وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤَوَّلَ مَحْصُورٌ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ إذَا حُمِلَ عَلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ صَارَ مُؤَوَّلًا بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَالْمُرَادُ: إذَا حُمِلَ عَلَى مُحْتَمَلٍ لَهُ غَيْرِ ظَاهِرٍ مِنْهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا مَزِيدُ كَلَامٍ فِي التَّقْسِيمِ الثَّالِثِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ (وَمَعَ عَدَمِهِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ مَعْنَى الْمُفَسَّرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فِي زَمَانِ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْمُحْكَمُ) وَهُوَ (حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ) خَاصَّةٌ لِلْأُصُولِيِّينَ (فِي الْمُحْكَمِ لِنَفْسِهِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ (وَالْكُلُّ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُحْكَمٌ لِغَيْرِهِ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ النَّسْخَ بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ (يَلْزَمُهُ) أَيْ إطْلَاقَ الْمُحْكَمِ عَلَيْهِ لَا الْمُحْكَمَ لِعَيْنِهِ مِنْهَا (التَّقْيِيدُ) لِغَيْرِهِ (عُرْفًا) خَاصًّا أُصُولِيًّا تَمْيِيزًا بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِتْقَانُ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمَنُ فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالِانْتِقَاضُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ أَبْلَغُ وَأَقْوَى فَجُعِلَ الْمُطْلَقُ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ لِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ التَّنَبُّهُ هُنَا لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا قَدْ عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ فِي النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ بِكَوْنِهِ مَسُوقًا لِبَيَانِ الْمُرَادِ.

وَأَمَّا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ فِي الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ فَيَكُونُ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ كَأَنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَا النَّسْخَ أَوْ لَحِقَهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالِ التَّأْوِيلِ أَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ التَّخْصِيصَ أَوْ يُفِيدُ الدَّوَامَ وَالتَّأْبِيدَ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ ثَانِيهمَا إنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُحْكَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفَسَّرِ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ كَمَا هُوَ صَنِيعُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا زِيَادَةَ الْوُضُوحِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْأَحْكَامِ وَعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ أَصْلًا فَلَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ نَعَمْ يَزْدَادُ قُوَّةً بِوَاسِطَةِ تَأْكِيدٍ وَتَأْيِيدٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ احْتِمَالُ النَّسْخِ وَالِانْتِقَاضِ وَمِنْ ثَمَّةَ تُعُقِّبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِهَذَا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قُلْت لَيْسَ بَيْنَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ مُخَالَفَةٌ فِي الْمَقْصُودِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَقْسَامُ هَذَا التَّقْسِيمِ ثَلَاثَةً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الدَّلَالَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَقْسَامِ مِنْ حَيْثُ الْأَظْهَرِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْمُحْكَمُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الْوُضُوحِ عَلَى الْمُفَسَّرِ لَا يَكُونُ قَسِيمًا لَهُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْضَحِيَّةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُحْكَمُ مَا ظَهَرَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَكَذَا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ هُنَا بِاعْتِبَارِ لَازِمِهَا وَهُوَ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ وَمِنْ هُنَا عَبَّرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ زِيَادَةِ الْوُضُوحِ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ إنَّمَا هِيَ مَطْلُوبَةٌ لِلَازِمِهَا هَذَا لَا لِنَفْسِهَا ثُمَّ الْمَنْعُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ لَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي الْأَوْضَحِيَّةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهَا فِي الْوُضُوحِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ.

وَيُؤَكِّدُهُ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّ فِي تَرَادُفِ الْمُؤَكِّدَاتِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ زِيَادَةِ الْجَلَاءِ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّلْوِيحِ فَإِنَّهُ فِيهِ صَرِيحٌ ثُمَّ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (فَهِيَ مُتَبَايِنَةٌ) لِأَنَّ فِي كُلٍّ قَيْدًا يُضَادُّ مَا فِي الْآخَرِ فَلَا تَجْتَمِعُ فِي لَفْظٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٌ (وَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِمَاعُ) أَيْ اجْتِمَاعُ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ (فِي لَفْظٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ وَعَدَمِهِ) أَيْ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يُسَقْ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ نَصًّا وَإِلَى الثَّانِي ظَاهِرًا (كَمَا تُفِيدُهُ الْمُثُلُ) لَهُمَا مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] فَإِنَّهُ (ظَاهِرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>