للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْإِبَاحَةِ) لِلْبَيْعِ (وَالتَّحْرِيمُ) لِلرِّبَا (إذْ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ) أَيْ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا وَقَدْ فُهِمَا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا ظَاهِرٌ كَمَا أَنَّهُ (نَصٌّ) فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا (بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ رَدُّ تَسْوِيَتِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ بَيْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعِ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ مَسُوقٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَعُونَهَا بَلْ وَجَعَلُوا الرِّبَا أَصْلًا فِي مُسَاوَاةِ الْبَيْعِ لَهُ فِي الْحِلِّ مُبَالَغَةً مِنْهُمْ فِي اعْتِقَادِ حِلِّهِ فَقَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ} [النساء: ٣] الْآيَةَ ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ) أَيْ حِلِّ النِّكَاحِ بِلَا قَيْدٍ بِعَدَدٍ لِفَهْمِهِ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِ الْكَلَامِ غَيْرَ مَسُوقٍ لَهُ كَمَا تَعْلَمُ.

(نَصٌّ) فِي الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْأَرْبَعُ (بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ قَصْرُهُ) أَيْ الْحِلِّ (عَلَى الْعَدَدِ إذْ السَّوْقُ لَهُ) أَيْ لِلْعَدَدِ فَإِنَّهُ - تَعَالَى - بَدَأَ بِذِكْرِ أَوَّلِ الْعَدَدِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ مَا يَلِيهِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِبَيَانِ مَا لَيْسَ بِعَدَدٍ وَعَلَّقَهُ بِخَوْفِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ حَيْثُ قَالَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣] عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حِلَّ النِّكَاحِ كَانَ مَعْلُومًا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا تُفِيدُهُ التَّفَاسِيرُ (فَيَجْتَمِعَانِ) أَيْ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ (دَلَالَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ لَهُ مُطَابَقَةً وَالْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا وَالْتِزَامًا إذَا أَمْكَنَا فِيهِ (ثُمَّ الْقَرِينَةُ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِالسَّوْقِ وَهُوَ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْمَعْنَى (الِالْتِزَامِيُّ) لِذَلِكَ اللَّفْظِ (فَيُرَادُ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمُطَابِقِيُّ أَوْ التَّضَمُّنِيُّ لَهُ مَدْلُولًا (حَقِيقِيًّا) لَهُ (لَا أَصْلِيًّا) أَيْ لَا مَعْنَى لَهُ مُرَادًا بِالسَّوْقِ ثُمَّ فَسَّرَ الْآخَرَ بِقَوْلِهِ (أَعْنِي الظَّاهِرِيَّ) وَإِنَّمَا كَانَ ظَاهِرِيًّا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ، وَالظَّاهِرُ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ (وَيَصِيرُ الْمَعْنَى النَّصِّيُّ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِمَجْمُوعِ الظَّاهِرَيْنِ) فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا فِي الْحِلِّ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ لِمَجْمُوعِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَكُلٌّ مِنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ وَقِسْ عَلَى هَذَا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِقَصْدِ إفَادَةِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي لَفْظِ كَوْنِهِ ظَاهِرًا وَنَصًّا بِاعْتِبَارَيْنِ قَالَ فِي التَّقْسِيمِ: فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَبِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ النَّصُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ إذَا أَمْكَنَ فِي لَفْظٍ الِاعْتِبَارَانِ كَانَ نَصًّا وَظَاهِرًا بِهِمَا (وَمِثَالُ انْفِرَادِ النَّصِّ) عَنْ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: ١] لِظُهُورِ مَفْهُومِهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِهِ مَسُوقًا لَهُ، وَاحْتِمَالُهُ التَّخْصِيصَ (وَكُلُّ لَفْظٍ سِيقَ لِمَفْهُومِهِ) مَعَ ظُهُورِهِ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَاحْتِمَالِهِ التَّخْصِيصَ أَوْ التَّأْوِيلَ (أَمَّا الظَّاهِرُ فَلَا يَنْفَرِدُ) عَنْ النَّصِّ (إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُسَاقَ اللَّفْظُ لِغَرَضٍ) فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ فَهُوَ نَفْسُ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الظَّاهِرِيِّ فَلَمْ يَنْفَرِدْ الظَّاهِرُ (وَمَثَّلُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ (الْمُفَسَّرَ كَالْمُتَقَدِّمِينَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} [الحجر: ٣٠] الْآيَةَ وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ (أَنْ لَا يَصِحَّ) هَذَا مِثَالًا لَهُ (لِعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ) ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي (وَثُبُوتُهُ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ (مُعْتَبَرٌ) فِي الْمُفَسَّرِ (لِلتَّبَايُنِ) أَيْ لِأَجْلِ تَبَايُنِ الْأَقْسَامِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ مُحْكَمٌ وَحِينَئِذٍ (فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْمُفَسَّرُ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ) شَرْعِيٍّ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَسْخِ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ عَنْ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمُفَسَّرَ " {الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: ٣٠] " مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى " فَسَجَدَ " وَلَا أَنَّ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعٌ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ وَبِقَوْلِهِ: " كُلُّهُمْ " ازْدَادَ وُضُوحًا فَصَارَ نَصًّا وَبِقَوْلِهِ: " أَجْمَعُونَ " انْقَطَعَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ فَصَارَ مُفَسَّرًا وَقَوْلُهُ: فَسَجَدَ إخْبَارٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فَيَكُونُ مُحْكَمًا

قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُفَسَّرُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُفْرَدِ بَلْ مِنْ أَقْسَامِ الْمُرَكَّبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُخْرِجُهُ هَذَا التَّقْسِيمُ ثُمَّ الْمِثَالُ الَّذِي لَا مُنَاقَشَةَ فِيهِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] لِأَنَّ كَافَّةً سَدَّ بَابَ التَّخْصِيصِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَلَيْسَ بِخَبَرٍ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْمُحْكَمِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحُكْمِ (نَفْيُهُ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ أَيْضًا فَوْقَ نَفْيِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ، وَنَفْيُ احْتِمَالِ النَّسْخِ يَصْدُقُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى لَا يَحْتَمِلُ تَبْدِيلًا أَصْلًا كَمَا يَصْدُقُ بِكَوْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>