يَحْتَمِلُهُ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ قَامَ دَلِيلُ انْتِفَائِهِ (وَالْأَوْلَى) فِي التَّمْثِيلِ (نَحْوُ «الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ» مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَلِكَوْنِهِ مُفِيدًا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَمَلِيًّا غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَفْظٍ دَالٍ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُفِيدُ ذَلِكَ (وَالْمُتَقَدِّمُونَ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (الْمُعْتَبَرُ فِي الظَّاهِرِ ظُهُورُ) الْمَعْنَى (الْوَضْعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ سَمَاعِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لَهُ سَوَاءٌ (سِيقَ) اللَّفْظُ (لَهُ) أَيْ لِمَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُسَقْ لَهُ (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي النَّصِّ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ مَعْنَى اللَّفْظِ مَسُوقًا لَهُ (مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِزِيَادَةِ تَمْكِينِهِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ سَوَاءٌ (احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ) إنْ كَانَ عَامًّا (وَالتَّأْوِيلَ) إنْ كَانَ خَاصًّا (أَوْ لَا) يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الْمُفَسَّرِ) بَعْدَ اشْتِرَاطِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ (عَدَمُ الِاحْتِمَالِ) لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ (احْتَمَلَ النَّسْخَ أَوْ لَا) يَحْتَمِلُ.
(وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الْمُحْكَمِ عَدَمُهُ) أَيْ احْتِمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَمَايِزَةٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَاعْتِبَارُ الْحَيْثِيَّةِ (مُتَدَاخِلَةٌ) بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَيَجُوزُ صِدْقُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْبَاقِيَةِ لَا مُتَبَايِنَةٌ (وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُفَسَّرِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ سَنَدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي التَّبَايُنِ) بَيْنَ الْأَقْسَامِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْكَمِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَاقِيَةِ (إذْ لَا فَصْلَ بَيْنَ الْأَقْسَامِ) فِي التَّبَايُنِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ بَعْضَهَا مُتَبَايِنٌ، وَبَعْضُهَا مُتَدَاخِلٌ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِقَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا (يَبْعُدُ نَفْيُ التَّبَايُنِ عَنْ كُلِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ هَذَا التَّبَايُنَ.
(وَلِعَدَمِ التَّبَايُنِ) بَيْنَهَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (مَثَّلُوا الظَّاهِرَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا} [النساء: ١] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: ٢] الْآيَةَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: ٣٨] الْآيَةَ (وَبِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ) أَيْ مَعَ ظُهُورِ مَعَانِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَظُهُورِ كَوْنِهَا مَسُوقَةً لِمَعَانٍ تُقْصَدُ بِهَا فَلَوْ قَالُوا بِالتَّبَايُنِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ بِالسَّوْقِ وَعَدَمِهِ لَمْ يُمَثِّلُوا لِلظَّاهِرِ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لِوُجُودِ السَّوْقِ فِيهَا (وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ) أَيْ صَاحِبُ الْبَدِيعِ (فِي) تَمْثِيلِ (النَّصِّ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ (عَلَى مَثْنَى إلَى رُبَاعَ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] وَعَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى (وَحَرَّمَ الرِّبَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] (وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ انْكِحُوا وَاسْمِ الْعَدَدِ) فِي الْآيَةِ (لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ (إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ) مِنْهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَالْمَجْمُوعُ) مِنْهُمَا هُوَ (النَّصُّ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ
قُلْت: وَكَذَا كُلٌّ مِنْ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا عَلَى التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ فَإِنَّمَا النَّصُّ عَلَيْهَا الْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا (وَالشَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ مَا) أَيْ لَفْظُ (لَهُ دَلَالَةٌ ظَنِّيَّةٌ) أَيْ رَاجِحَةٌ عَلَى مَعْنًى نَاشِئَةٌ (عَنْ وَضْعٍ) لَهُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ صَارِفَةٌ عَنْهُ (أَوْ عُرْفٍ) عَامٍّ بِأَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى مَا نُقِلَ إلَيْهِ وَاشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ (كَالْغَائِطِ) لِلْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ مِنْ الْمَسْلَكِ الْمُعْتَادِ (وَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إلَيْهِ (مَجَازًا) لِلَّفْظِ (بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ) كَهَذَا الْمَعْنَى لِلْغَائِطِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لَهُ لِأَنَّ مَجَازِيَّتَهُ اللُّغَوِيَّةَ لَا تُنَافِي ظَاهِرِيَّتَهُ الْعُرْفِيَّةَ الْعَامَّةَ، أَوْ عُرْفٌ خَاصٌّ كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الشَّرْعِ فَيَخْرُجُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ النَّصُّ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ لِأَنَّ دَلَالَتَهُمَا مُسَاوِيَةٌ، وَالْمُؤَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَرْجُوحَةٌ (وَيَسْتَلْزِمُ) الظَّاهِرُ (احْتِمَالًا مَرْجُوحًا) لِغَيْرِ مَعْنَاهُ بِالضَّرُورَةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: الظَّاهِرُ هُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا (فَالنَّصُّ قِسْمٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute