للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَوْلَى فَالنَّصُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِسْمٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَيْدٌ لِلنَّصِّ.

(وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الظَّاهِرِ (مَا كَانَ سَوْقُهُ لِمَفْهُومِهِ) الْمُطَابِقِيِّ فَهُوَ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِظُهُورِهِ فِيهِ، وَسَوْقُهُ لَهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِغَرَضِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ دَلَالَةً رَاجِحَةً عَنْ وَضْعٍ أَوْ عُرْفٍ وَيَنْفَرِدُ ظَاهِرُهُمْ عَنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنًى مُطَابِقِيٌّ لَمْ يُسَقْ لَهُ وَالْتِزَامِيٌّ سِيقَ لَهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَدْ ظَهَرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ يُسَقْ لَهُ فَصَدَقَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الظَّاهِرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ فَالْوَجْهُ مَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَهُوَ مَا لَفْظُهُ، وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ الظَّاهِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَفَادَهُ حَاشِيَةٌ عَلَيْهِ أَنَّ النَّصَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ وَعُرِفَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ وَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ بِسَوْقِ اللَّفْظِ إفَادَةُ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْغَرَضَ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ الْقَصْدِ إلَى رَدِّ التَّسْوِيَةِ فَلَزِمَ انْقِسَامُ النَّصِّ قِسْمَيْنِ اهـ.

(وَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (فِي قَطْعِيَّةِ دَلَالَتِهِ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ ظَاهِرِ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي هُوَ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ النُّسْخَةُ أَوَّلًا (وَظَنِّيَّتُهَا) أَيْ دَلَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: قَطْعِيَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: ظَنِّيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِاخْتِلَافِ مُرَادِهِمْ بِالْقَطْعِيَّةِ وَالظَّنِّيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ: (وَالْوَجْهُ أَنَّهُ) وَالْأَحْسَنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ اخْتِلَافَهُمْ (لَفْظِيٌّ فَالْقَطْعِيَّةُ لِلدَّلَالَةِ وَالظَّنِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْإِرَادَةِ فَلَا اخْتِلَافَ) فَمُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِثُبُوتِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى وَلَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ؛ إذْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لِلْمَعْنَى يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى الدَّلَالَةِ، وَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ ظَنُّ إرَادَةِ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ فَإِنَّ الْفَهْمَ عَنْ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ، وَإِنْ ثَبَتَ قَطْعًا لَكِنْ كَوْنُ الْمَعْنَى مُرَادًا غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُرَادِ غَيْرَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ فَلَا خِلَافَ كَمَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْوَضْعِيِّ مَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْت: وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِالْإِرَادَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْقَطْعِ بِالدَّلَالَةِ حَيْثُ لَا مُوجِبَ لِلْمُخَالَفَةِ، وَأَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ لِكَوْنِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِلْقَطْعِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ

(وَاسْتَمَرُّوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (عَلَى إيرَادِ الْمُؤَوَّلِ قَرِينًا لَهُ) أَيْ لِلظَّاهِرِ وَسَيُعْرَفُ تَعْرِيفُ الْمُؤَوَّلِ (فَيُقَالُ: الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ كَالْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِإِفَادَةِ الْمُقَابَلَةِ فَيَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ) عَنْ مَعْنَاهُ كَمَا يَلْزَمُ فِي الْمُؤَوَّلِ الصَّرْفُ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ (اجْتَمَعَا) أَيْ الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ لِإِمْكَانِهِ حِينَئِذٍ فَالْمَنْقُولُ لِعَلَاقَةٍ، وَلَمْ يَشْتَهِرْ كَالْأَسَدِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي مُؤَوَّلَةٌ، وَإِنْ اُشْتُهِرَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَنْقُولِ كَالصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ (إذْ) اللَّفْظُ (الْمَصْرُوفُ) عَنْ مَعْنَاهُ الرَّاجِحِ إلَى مَعْنًى مَرْجُوحٍ (لَا تَسْقُطُ دَلَالَتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ عَلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: ٣٨] (فَيَكُونُ) الْمَصْرُوفُ (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الرَّاجِحِ (ظَاهِرًا وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِإِرَادَةِ الْمَرْجُوحِ مُؤَوَّلًا)

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ أَصْلًا، وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي الْحَقَائِقِ لَا غَيْرُ بَلْ قَدْ وَقَدْ وَلَا ضَيْرَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ تَقَابُلَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (وَتَقَدَّمَ الْمُؤَوَّلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ ظَنِّيٌّ فَمُؤَوَّلٌ (وَلَا يُنْكِرُ إطْلَاقَهُ) أَيْ الْمُؤَوَّلِ (عَلَى الْمَصْرُوفِ) عَنْ ظَاهِرِهِ بِمُقْتَضًى (أَيْضًا أَحَدٌ) فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ حَنَفِيٌّ وَلَا شَافِعِيٌّ (وَالنَّصُّ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى (بِلَا احْتِمَالٍ) لِغَيْرِهِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْخُولِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالٌ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>