الْمُسْتَصْفَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ احْتِمَالَهُ النَّسْخَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ النَّصِّيَّةِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مَا دَلَّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا النَّصِّ) عِنْدَهُمْ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عِنْدَهُمْ (يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ) بِاتِّفَاقِهِمْ (وَعَلِمْت) قَرِيبًا (أَنَّهُ) أَيْ احْتِمَالَهُ الْمَجَازَ (لَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِقَطْعِيَّتِهِ) أَيْ النَّصِّ بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ بِتَخْصِيصٍ وَلَا بِتَأْوِيلٍ فَالنَّصُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْمُفَسَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (وَقَدْ يُفَسِّرُونَ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (الظَّاهِرَ بِمَا لَهُ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ فَالنَّصُّ) عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ (قِسْمٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى (عِنْدَهُمْ) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ أَعَمُّ مِنْ الظَّنِّيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ وَالْمُبَيَّنُ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ لَا تَقْتَضِي سَابِقَةَ احْتِيَاجٍ إلَى الْبَيَانِ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فَانْتَفَى قَوْلُ الْكَرْمَانِيُّ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُبَيَّنِ وَالظَّاهِرِ (وَالْمُحْكَمُ) عِنْدَهُمْ (أَعَمُّ) مِنْ الظَّاهِرِ، وَالنَّصُّ (يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ أَيْضًا فَهُوَ) أَيْ الْمُحْكَمُ (عِنْدَهُمْ مَا اسْتَقَامَ نَظْمُهُ لِلْإِفَادَةِ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ) وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى (وَالْحَنَفِيَّةُ أَوْعَبُ وَضْعًا لِلْحَالَاتِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ؛ وَلِذَا كَثُرَتْ الْأَقْسَامُ عِنْدَهُمْ، فَكَانَتْ أَقْسَامُ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ أَرْبَعَةً مُتَبَايِنَةً عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ إلَّا قِسْمَانِ فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ مُحْكَمٌ غَيْرُ نَصٍّ وَلَا ظَاهِرٍ بَلْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْمُحْكَمُ أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَالَاتِ حَالَةُ احْتِمَالِ غَيْرِ الْوَضْعِيِّ، وَحَالَةُ سَوْقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَفْهُومِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَالَةُ عَدَمِ سَوْقِهِ لِمَفْهُومِهِ، وَحَالَةُ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ وَاحْتِمَالُهُ فَوَضَعُوا لِلَّفْظِ الدَّالِّ مَعَ كُلِّ حَالَةٍ أَوْ حَالَتَيْنِ اسْمًا (وَمَوْضِعُ الِاشْتِقَاقِ) لِأَسْمَائِهَا (يُرَجِّحُ قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي الْمُحْكَمِ) أَنَّهُ مَا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا، وَلَا نَسْخًا لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِهِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بَقِيَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ مُفَسَّرًا، وَفِي الْمَحْصُولِ الْمُفَسَّرُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا مَا احْتَاجَ إلَى التَّفْسِيرِ وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ وَثَانِيهِمَا الْكَلَامُ الْمُبْتَدَأُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ التَّفْسِيرِ لِوُضُوحِهِ اهـ.
وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْمُحْكَمَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ مِنْهُ لَا يُخَالِفُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَفِي تَعْيِينِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسْبَةِ تَأَمُّلٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَكْثَرُ اسْتِيعَابًا لِوَضْعِ الْأَسْمَاءِ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ حَالَاتِهِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي الْوُضُوحِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ هَذَا
(تَنْبِيهٌ) عَلَى تَفْصِيلٍ وَتَمْثِيلٍ لِلتَّأْوِيلِ وَسَمَهُ بِهِ لِسَبْقِ الشُّعُورِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَالًا
(وَقَسَّمُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (التَّأْوِيلَ إلَى قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ وَمُتَعَذِّرٍ غَيْرِ مَقْبُولٍ قَالُوا وَهُوَ) أَيْ الْمُتَعَذِّرُ (مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُتَعَذِّرَ (لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِهِ) أَيْ التَّأْوِيلِ (وَهُوَ) أَيْ التَّأْوِيلُ مُطْلَقًا فَيَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ (حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَا يَحْتَمِلُهُ مَرْجُوحًا وَقَالُوا: حَمْلُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّأْوِيلُ، وَتَعْيِينُ أَحَدِ مَدْلُولَيْ الْمُشْتَرَكِ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا، وَعَلَى الْمُحْتَمَلِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الظَّاهِرِ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَا يَكُونُ تَأْوِيلًا أَصْلًا، وَالْمَرْجُوحُ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مُحْتَمِلِهِ الرَّاجِحِ ظَاهِرٌ (إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) التَّأْوِيلُ (بِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَقَطْ) فَيَكُونُ مِنْ أَقْسَامِهِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ (ثُمَّ ذَكَرُوا) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ (مِنْ الْبَعِيدَةِ تَأْوِيلَاتٌ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ) أَيْ انْكِحْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَفَارِقْ بَاقِيَهُنَّ إنْ كُنْت تَزَوَّجْتهنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا (أَوْ أَمْسِكْ الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ) وَفَارِقْ الْأَوَاخِرَ مِنْهُنَّ إنْ كُنْت عَقَدْت عَلَيْهِنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ لِوُقُوعِهِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَ فَاسِدًا، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ كَمَا قَالَ (فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطَبَ بِمِثْلِهِ مُتَجَدِّدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا بَيَانٍ) لِهَذَا الْمَرَامِ الْخَفِيِّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ؛ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْإِمْسَاكِ الِاسْتِدَامَةُ دُونَ الِاسْتِئْنَافِ، وَمِنْ الْفِرَاقِ انْقِطَاعُ النِّكَاحِ لَا عَدَمُ التَّجْدِيدِ مَعَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute