للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدٌ قَطُّ لَا مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ كَثْرَةِ إسْلَامِ الْكُفَّارِ الْمُتَزَوِّجِينَ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَأَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ: أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْت» مِثْلُهُ أَيْضًا أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ مَنْ شِئْت مِنْهُمَا إنْ كُنْت تَزَوَّجْتَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ يَبْطُلُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ ثُمَّ هَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ فَقَدْ حُفِظَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْت كَمَا هُوَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقُولُ مَعْنَى أَمْسِكْ هَذَا أَنَّهُ أَيْضًا مَعْنَى اخْتَرْ.

ثُمَّ هَذَا (أَبْعَدُ) مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعَ وَجْهَيْ الْبُعْدِ الْمَاضِيَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِأَيَّتِهِمَا شِئْت فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (إطْعَامُ طَعَامِ سِتِّينَ) مِسْكِينًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْفِيرِ دَفْعُ حَاجَةِ الْمِسْكِينِ (وَحَاجَةُ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا حَاجَةُ سِتِّينَ) مِسْكِينًا فَإِذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا عَنْهَا أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا بَعُدَ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ مَا لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُضَافِ، وَإِلْغَاءُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ (مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ) أَيْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ (لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَضَافُرِ قُلُوبِهِمْ) أَيْ تَظَاهُرِهَا وَتَعَاضُدِهَا (عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَفِّرِ (وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ) أَيْ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَمَاعَةِ (دُونَ الْخُصُوصِ) لِوَاحِدٍ.

(وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِي نَحْوِ «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ) كَمَا هُوَ هَكَذَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَى مَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (أَيْ مَالِيَّتُهَا) أَيْ الشَّاةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى مَالِيَّتِهَا كَالْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا بَعُدَ (إذْ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الشَّاةُ) نَفْسُهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَالِيَّتُهَا حِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ هِيَ فَلَا تَكُونُ مُجْزِئَةً وَهِيَ مُجْزِئَةٌ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا يَرْجِعُ الْمَعْنَى، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ إيجَابُ الشَّاةِ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الشَّاةِ بِالْإِبْطَالِ (وَكُلُّ مَعْنًى اُسْتُنْبِطَ مِنْ حُكْمٍ فَأَبْطَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمُ (بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ إبْطَالَ أَصْلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِبُطْلَانِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ اجْتِمَاعُ صِحَّتِهِ وَبُطْلَانِهِ وَإِنَّهُ مُحَالٌ فَتَنْتَفِي صِحَّتُهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا.

(تَنْبِيهٌ) ثُمَّ إنَّمَا قَالَ فِي نَحْوِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا مِمَّا هُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَالِيَّةُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَا عَيْنُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَيْضًا (وَمِنْهَا) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ لَهُمْ (حَمْلُ) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إلَخْ) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ) وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُنَّ (أَوْ) أَنْ فَنِكَاحُهَا (بَاطِلٌ أَيْ يَئُولُ إلَى الْبُطْلَانِ غَالِبًا لِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ) بِمَا يُوجِبُهُ مِنْ عَدَمِ كَفَاءَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَاحِشٍ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا) وَرِضَاهَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ (فَكَانَ) تَصَرُّفُهَا فِيهِ (كَبَيْعِ سِلْعَةٍ لَهَا) وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ إمَّا بِحَمْلِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى خُصُوصٍ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَمَةُ قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً، وَالْحُرَّةُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَعْتُوهَةُ وَالْمَجْنُونَةُ مَعَ إبْقَاءِ: " بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِمَّا بِإِبْقَاءِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ حَمْلِ: " بَاطِلٌ " عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَصْنَافِهَا وَالصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ لَيْسَ بَاطِلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ مَوْقُوفٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ بَاطِلٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَحْمُولًا أَيْضًا عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَهُوَ تَامٌّ فِيمَا عَدَا الْمَجْنُونَةَ وَالْمَعْتُوهَةَ لَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمَا بَاطِلٌ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْمَهْرُوبُ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُ أَيْضًا فِي إبْقَاءِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى الْعُمُومِ وَإِبْقَاءِ " بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَوْجَهُ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ ظُهُورَ قَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّعْمِيمَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ (مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُمُومَ (لِمَنْعِ اسْتِقْلَالِهَا بِمَا لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ اسْتِقْلَالُهَا بِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>