فَإِنَّ نِكَاحَهَا مِنْهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْعُرْفُ (وَمِنْهَا) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ (حَمْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْرَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ الْمَوْقُوفَ اهـ مُخْتَصَرًا ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَبَاحِثِ الْمُؤَوَّلِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُخْرِجْهُ شَيْخُنَا كَذَلِكَ بَلْ سَاقَهُ بِأَلْفَاظِ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ انْقَلَبَ الْإِسْنَادُ عَلَى رِوَايَةِ " فَإِنَّهُ " أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ فَقَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَسَاقَهُ بِلَفْظِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قُلْت: لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْمُفَضَّلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ جِدًّا اهـ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرَوْهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ رَاجَعَ سُنَنَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فَلَمْ يَرَهُ فِيهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ نَعَمْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّذِي قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ حَيْثُ يَكُونُ مِنْ رِجَالِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ،.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ،.
وَقَالَ أَحْمَدُ: سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
وَإِنَّمَا بَعُدَ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِمَا وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ نَادِرٍ (وَحَمْلُهُمْ) أَيْ وَمِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ حَمْلُهُمْ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] (عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ ذِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ (سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حَاجَتِهِ، وَلَا خَلَّةَ مَعَ الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا بَعُدَ لِتَعْطِيلِ لَفْظِ الْعُمُومِ (مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ) الَّتِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَدْ تُجْعَلُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الْغِنَى تَشْرِيفًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَّ بَعْضُهُمْ) كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ (حَمْلَ) الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ) لَهَا حَتَّى يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَوَاحِدٌ مِنْهُ فَقَطْ لَا الِاسْتِحْقَاقُ حَتَّى يَجِبَ الصَّرْفُ إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ أَيْضًا لِكَوْنِ اللَّامِ ظَاهِرًا فِي الْمِلْكِيَّةِ.
ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنَّفُ فِي الْجَوَابِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ تَرْتِيبِهَا فَقَالَ (وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ بُعْدَ التَّأْوِيلِ لَا يَقْدَحُ فِي الْحُكْمِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى) الدَّلِيلِ (الْمُرَجِّحِ) لِلتَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ لِيَصِيرَ بِهِ رَاجِحًا عَلَيْهِ، وَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا (فَأَمَّا الْأَخِيرُ) وَهُوَ بَعْدَ حَمْلِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: ٦٠] عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ لَهَا (فَدُفِعَ بِأَنَّ السِّيَاقَ، وَهُوَ رَدٌّ لَمْزِهِمْ) أَيْ طَعْنِهِمْ وَعَيْبِهِمْ (الْمُعْطَيْنَ وَرِضَاهُمْ عَنْهُمْ إذَا أَعْطَوْهُمْ وَسَخَطَهُمْ إذَا مُنِعُوا يَدُلُّ أَنَّ الْمَقْصُودَ) مِنْ قَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ (بَيَانُ الْمَصَارِفِ لِدَفْعِ وَهَمِ أَنَّهُمْ) أَيْ الْمُعْطِينَ (يَخْتَارُونَ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ) وَتَقْرِيرُهُ هَكَذَا مُوَافِقٌ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَهُوَ رَدُّ لَمْزِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِضَاهُمْ عَنْهُ إذَا أَعْطَاهُمْ وَسَخَطِهِمْ إذَا لَمْ يُعْطِهِمْ لِأَنَّ النَّصَّ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: ٥٨] إلَخْ ثُمَّ مِنْ الدَّافِعِينَ بِهَذَا الْغَزَالِيُّ (وَرُدَّ) هَذَا الدَّفْعُ (بِأَنَّهُ) أَيْ السِّيَاقَ (لَا يُنَافِي الظَّاهِرَ) أَيْ ظَاهِرَ اللَّامِ (أَيْضًا مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُصْرَفُ) السِّيَاقُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ فَلْيَكُنْ لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ) أَيْ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ (مِنْ الْعُمُومِ) أَيْ عُمُومِ الصَّدَقَاتِ وَعُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَالْبَاقِي بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ يَسْتَحِقُّهَا جَمِيعُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ (مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا) لِتَعَذُّرِهِ وَمَنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ (وَلِتَعَذُّرِهِ) أَيْ الْعُمُومِ الْمَذْكُورِ (حَمَلُوهُ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ الْعُمُومَ فِيهِمْ (عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) مِنْ الثَّمَانِيَةِ إذَا كَانَ الْمُفَرِّقُ لِلزَّكَاةِ غَيْرَ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَوُجِدُوا (وَهُوَ) أَيْ حَمْلُهُمْ هَذَا (بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ) فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute