للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَاهُ قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الْجَمْعِ فَوَقَعَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقًا ثُمَّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ لِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَطَلِّقْ سَائِرَهُنَّ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ اهـ لَمْ يَحْتَاجَا إلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَاتُّجِهَ قَوْلُهُمَا عَلَى قَوْلِهِ: لَكِنْ الشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ وَغَيْلَانُ أَسْلَمَ يَوْمَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ تَمَامَ هَذَا الدَّفْعِ.

(وَأَمَّا) حَمْلُ (لَا صِيَامَ) الْحَدِيثَ عَلَى مَا ذُكِرَ (فَلِمُعَارِضٍ) لَهُ (صَحَّ فِي النَّفْلِ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ» ثُمَّ قُدِّمَ هَذَا لِرُجْحَانِهِ فِي الثُّبُوتِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مُثْبِتٌ وَذَاكَ نَافٍ (وَفِي رَمَضَانَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ) أَيْ وَصَحَّ فِي أَدَاءِ صِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ» كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (قَالَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَهُوَ) أَيْ الصَّوْمُ الْمَأْمُورُ بِهِ (بَعْدَ تَعَيُّنِ الشَّرْعِيِّ) فِيهِ (مَقْرُونٌ بِدَلَالَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا أَيْضًا (أَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ «مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» ) وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا ضَيْرَ (فَلَوْ اتَّحَدَ حُكْمُ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ) أَيْ الْأَكْلِ (فِيهِ) أَيْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ صِيَامِهِ شَرْعًا (لَقَالَ: لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ) لِأَنَّ فِيهِ مَعَ الِاخْتِصَارِ نَفْيَ ظَنِّ مُخَالَفَةِ الْقِسْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ.

(ثُمَّ هُوَ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَقْتَئِذٍ (وَاجِبٌ مُعَيَّنٌ) لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَذَلِكَ (فَلَمْ يَبْقَ) تَحْتَ لَا صِيَامَ (إلَّا) الصِّيَامُ (غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَعَمِلُوا بِهِ) أَيْ بِلَا صِيَامٍ (فِيهِ) أَيْ الصِّيَامِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ) وَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ التَّطَوُّعِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ (أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ بَعْضِ الْأَدِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ) كَهَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَوْلَى مِنْ الْإِهْمَالِ (وَأَمَّا النِّكَاحُ) أَيْ كَوْنُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (فَلِضَعْفِ الْحَدِيثِ بِمَا صَحَّ مِنْ إنْكَارِ الزُّهْرِيِّ) الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى (رِوَايَتَهُ) أَيْ الْحَدِيثِ عَنْهُ فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. (وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ) فَلَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ (فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقُلْت لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك فَقَالَ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ) خَيْرًا (فَصَمَّمَ) الزُّهْرِيُّ عَلَى الْإِنْكَارِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظِ (فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (إنْكَارٌ) مِنْهُ لِرِوَايَتِهِ (لَا شَكَّ) فِيهَا حَتَّى لَا يَقْدَحَ فِي الْحَدِيثِ قُلْت فَيَنْتَفِي مَا ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ طَعَنَ فِي هَذَا الْمَحْكِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَسَمَاعُ ابْنِ عُلَيَّةَ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ ابْنِ أَبِي دَاوُد اهـ. فَإِنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ إمَامٌ حُجَّةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ،.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ إلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَبِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَذِبًا بَلْ مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةً وَرِعًا تَقِيًّا يُبْعِدُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الثِّقَاتِ مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أَيْضًا مَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَهُ كُتُبٌ مُدَوَّنَةٌ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَإِنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ فِيهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا عَنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ ثِقَةِ الرَّاوِي عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ لَيْسَ جَزْمًا بِتَكْذِيبِهِ كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ نَفْيِ مَعْرِفَتِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>