الْأَصْفَهَانِيُّ (وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ) أَيْ إجْمَالَ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمِثْلِ (فِي مُفْرَدٍ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ) قُلْت: لَكِنْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي اللَّفْظِ لِاشْتِرَاكِهِ أَوْ لِإِعْلَالِهِ فِي مُفْرَدٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْكِيبِ فَالْوَجْهُ اسْتِثْنَاءُ مَا كَانَ هَكَذَا مِنْ اشْتِرَاطِهِ (وَعِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (الْمُتَشَابِهُ لَكِنْ مُقْتَضَى) كَلَامِ (الْمُحَقِّقِينَ تُسَاوِيهِمَا) أَيْ الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ (لِتَعْرِيفِهِمْ الْمُجْمَلَ بِمَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ) قِيلَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ يَكُونُ فِيهِمَا وَالدَّلَالَةُ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَدَلَالَةُ الْفِعْلِ عَقْلِيَّةٌ.
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ مَا وَلَمْ يَقُلْ لَفْظٌ وَخَرَجَ بِلَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ الْمُهْمَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ وَالْمُبَيَّنُ لِاتِّضَاحِهَا (وَبِمَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ مَعْنًى أَنَّهُ الْمُرَادُ) وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَعَلَّهُ بِالْعِنَايَةِ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقِيلَ: اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ وَحِينَئِذٍ فَلِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ بِالْمُعْتَرَضِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ (وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَصَحِيحٌ أَنَّ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٍ مِثْلَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُهْمَلِ وَلَفْظِ الْمُسْتَحِيلِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمُجْمَلٍ، وَغَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ الْمُجْمَلِ أَحَدُ مَحَامِلِهِ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ شَيْءٌ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَالْمُجْمَلُ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا كَقِيَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَوَازِ وَالسَّهْوِ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحَدِّ؛ إذْ لَيْسَ لَفْظًا وَحِينَئِذٍ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ بَلْ هِيَ وَارِدَةٌ ظَاهِرًا.
وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِالْعِنَايَةِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعُ وَبِالشَّيْءِ مَا يَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ لُغَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ وَبِفَهْمِ الشَّيْءِ فَهْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ لَا مُجَرَّدُ الْخُطُورِ بِالْبَالِ، وَالْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ الْمُجْمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَتْنِ، وَهُوَ لَا مَحَالَةَ لَفْظٌ قُلْت: وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ الْأَوَّلُ إنَّمَا قَالَ مَا وَلَمْ يَقُلْ لَفْظُ لِيَتَنَاوَلَ الْفِعْلَ الْمُجْمَلَ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ يَكُونُ فِيهِ أَيْضًا بَلْ حَيْثُ كَانَ التَّعْرِيفُ لِلْمُجْمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَتْنِ يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْ الْفِعْلِ الْمُجْمَلِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
(وَالْمُتَشَابِهُ) أَيْ وَلِتَعْرِيفِهِمْ إيَّاهُ (بِغَيْرِ الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى) فَهَذَا تَسَاوٍ ظَاهِرٌ بَلْ اتِّحَادٌ (وَجَعَلَ الْبَيْضَاوِيُّ إيَّاهُ) أَيْ الْمُتَشَابِهَ (مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ) حَيْثُ قَالَ: وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ الْمُحْكَمُ وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ الْمُتَشَابِهُ، وَفَسَّرَ الشَّارِحُونَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِالرُّجْحَانِ وَيَمْتَازُ النَّصُّ بِأَنَّهُ رَاجِحٌ مَانِعٌ مِنْ النَّقِيضِ دُونَ الظَّاهِرِ وَبَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ بِعَدَمِ الرُّجْحَانِ وَيَمْتَازُ الْمُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ مَرْجُوحٌ دُونَ الْمُجْمَلِ فَيَكُونُ الْمُتَشَابِهُ مَا لَيْسَ بِرَاجِحٍ لَا مَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ غَيْرِهِ (مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَوَّلَ ظَهَرَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ بِالْمُوجِبِ) لَهُ فَصَارَ مُتَّضِحُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ رَاجِحًا (لَا يُقَالُ: يُرِيدُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُؤَوَّلِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحٍ (فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُوجِبِ) لَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لَهُ.
وَإِنَّمَا لَا يُقَالُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُؤَوَّلَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّضِحِهِ أَوْ غَيْرَ رَاجِحِهِ فِي نَفْسِهِ (ظَاهِرٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُوجِبِ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُتَشَابِهٌ) لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ جِنْسٌ لَهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ (وَأَيْضًا يَجِيءُ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا (فِي الْمُجْمَلِ) فَيُقَالُ: الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّضِحِهِ أَوْ رَاجِحِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُجْمَلُ الَّذِي لَحِقَهُ بَيَانٌ مُجْمَلًا؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ وَاضِحِ الْمَعْنَى وَلَا رَاجِحِهِ (لَكِنْ مَا لَحِقَهُ بَيَانٌ خَرَجَ عَنْ الْإِجْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَسُمِّيَ مُبَيَّنًا عِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (وَالْحَنَفِيَّةِ) قَالُوا: (إنْ كَانَ) الْبَيَانُ (شَافِيًا بِقَطْعِيٍّ فَمُفَسَّرٌ) أَيْ فَالْمُجْمَلُ حِينَئِذٍ مُفَسَّرٌ كَبَيَانِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ (أَوْ) كَانَ الْبَيَانُ شَافِيًا (بِظَنِّيٍّ فَمُؤَوَّلٌ) أَيْ فَالْمُجْمَلُ حِينَئِذٍ مُؤَوَّلٌ كَبَيَانِ مِقْدَارِ الْمَسْحِ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (أَوْ) كَانَ الْبَيَانُ (غَيْرَ شَافٍ خَرَجَ) الْمُجْمَلُ (عَنْ الْإِجْمَالِ إلَى الْإِشْكَالِ) لِأَنَّ خَفَاءَ الْإِشْكَالِ دُونَ الْإِجْمَالِ كَبَيَانِ الرِّبَا بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute