للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الصَّحِيحَيْنِ (فَجَازَ طَلَبُهُ) أَيْ بَيَانُهُ حِينَئِذٍ (مِنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ) ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمُشْكِلِ مِمَّا يُكْتَفَى فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْإِجْمَالِ.

(فَلِذَا) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ (رُدَّ مَا ظُنَّ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمُقْتَرِنَ بِبَيَانٍ) لِلْمُرَادِ مِنْهُ (مُجْمَلٌ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ مُبَيَّنٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُقَارِنِ) وَالظَّانُّ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالرَّادُّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَفْظُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَمْ يُعْرَفْ اصْطِلَاحٌ عَلَى ذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الْقَوْمِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ الْمُبَيَّنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبَيَّنٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ مِنْهُ مُرَادُهُ بَلْ إنَّمَا عُرِفَ بِالْبَيَانِ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ لُزُومَ الِاسْمَيْنِ) الْمُبَيَّنِ وَالْمُجْمَلِ (بِاعْتِبَارِ مَا ثَبَتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلَّفْظِ مِنْ الْبَيَانِ أَوْ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ الْبَيَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَالْمُجْمَلُ أَعَمُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ كَوْنَهُ أَعَمَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (أَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِهِ) أَيْ الْمُجْمَلِ (يُدْرَكُ) بَيَانُهُ (عَنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ، وَبَعْضُهُ) أَيْ الْمُجْمَلِ (لَا) يُدْرَكُ بَيَانُهُ (إلَّا مِنْهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (إذْ لَا يُنْكَرُ جَوَازُ وُجُودِ إبْهَامٍ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يُدْرَكُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ (وَكَذَا الْمُتَشَابِهُ) بَعْضُ أَقْسَامِهِ يُدْرَكُ عَنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ، وَبَعْضُهَا لَا أَيْضًا لِتُسَاوِيهِمَا (إلَّا أَنَّهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةَ (وَالْأَكْثَرَ عَلَى إمْكَانِ دَرْكِهِ) أَيْ الْمُتَشَابِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ فِي الدُّنْيَا (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) حَيْثُ قَالُوا: لَا يُمْكِنُ دَرْكُهُ فِيهَا أَصْلًا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَمْسَ الْأَئِمَّةِ اسْتَثْنَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَا أَنَّ الْمُتَشَابِهَ وَضَحَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّ الرَّاسِخَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ.

(وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ) بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ (فِي وُجُودِ قِسْمٍ) مِنْ أَقْسَامِ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ دَلَالَتِهِ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ انْقِطَاعِ رَجَاءِ مَعْرِفَتِهِ فِي الدُّنْيَا (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ عَنْ) وُجُودِ (قِسْمٍ شَرْعِيٍّ) أَيْ مِنْ الْخِطَابَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الْخِطَابُ بِمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ إلَّا فِي الْآخِرَةِ هَلْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْهُ - تَعَالَى - أَوْ لَا (لَا لُغَوِيٌّ اُسْتُتْبِعَ) أَيْ اُسْتُطْرِدَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ (فَجَازَ عِنْدَهُمْ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ (اتِّبَاعُهُ طَلَبًا لِلتَّأْوِيلِ وَامْتَنَعَ عِنْدَنَا فَلَا يَحِلُّ وَلَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ ابْتِلَاءً لِلرَّاسِخِينَ بِإِيجَابِ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ) أَيْ حَقِّيَّةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهُ عَلَى الْإِبْهَامِ (وَتَرْكِ الطَّلَبِ) لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا (تَسْلِيمًا عَجْزًا) أَيْ اسْتِسْلَامًا لِلَّهِ وَاعْتِرَافًا بِالْقُصُورِ عَنْ دَرْكِ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَلِأَنَّ الِابْتِلَاءَ فِي الْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ التَّسْلِيمُ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِ وَاعْتِقَادُ حَقِّيَّةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِدُونِ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِ عُبُودِيَّةً

وَالْإِمْعَانُ فِي الطَّلَبِ ائْتِمَارٌ بِالْأَمْرِ وَهُوَ عِبَادَةٌ وَالْعُبُودِيَّةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا الرِّضَا بِمَا يَفْعَلُ الرَّبُّ - سُبْحَانَهُ - وَالْعِبَادَةُ فِعْلُ مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَالْعِبَادَةُ تَسْقُطُ فِي الْعُقْبَى وَالْعُبُودِيَّةُ لَا فَظَهَرَ أَنْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ هَذَا عَقْلًا (بَلْ) إنَّمَا النِّزَاعُ (فِي وُقُوعِهِ) أَيْ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ ابْتِلَاءً لِلرَّاسِخِينَ كَمَا ذَكَرْنَا (فَالْحَنَفِيَّةُ نَعَمْ) هُوَ وَاقِعٌ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] (عَطْفُ جُمْلَةٍ) اسْمِيَّةٍ الْمُبْتَدَأُ مِنْهَا الرَّاسِخُونَ (خَبَرُهُ يَقُولُونَ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - ذَكَرَ أَنَّ مِنْ الْكِتَابِ مُتَشَابِهًا يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ قِسْمٌ وَصَفَهُمْ بِالزَّيْغِ فَلَوْ اقْتَصَرَ) عَلَى هَذَا (حُكِمَ بِمُقَابِلِهِمْ قِسْمٌ بِلَا زَيْغٍ لَا يَبْتَغُونَ) تَأْوِيلَهُ (عَلَى وِزَانِ {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ} [النساء: ١٧٥] اقْتَضَى مُقَابِلَهُ) وَهُوَ {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: ٢٦] فَلَهُمْ كَذَا وَكَذَا (فَتَرَكَهُ) إيجَازُ الدَّلَالَةِ قَسِيمُهُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أُسْلُوبٌ مِنْ الْأَسَالِيبِ الْبَلَاغِيَّةِ (فَكَيْفَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَعْنِي " الرَّاسِخُونَ " وَصَحَّتْ جُمْلَةُ التَّسْلِيمِ) وَهِيَ: " يَقُولُونَ آمَنَا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا " (خَبَرًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ " الرَّاسِخُونَ (فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ) وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَذَا أَبُو حَيَّانَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] " جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ.

(فَإِنْ قِيلَ قِسْمُ الزَّيْغِ الْمُتَّبِعُونَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>