للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَنِّفُ مُشِيرًا إلَى ظَنِّ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا لَيْسَ هُوَ شَيْئًا مِنْ الْفِقْهِ وَلَا الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ إلَّا بِاصْطِلَاحٍ وَلَا يَضُرُّ اسْتِعْمَالُ الْمَنْطِقِيِّينَ إيَّاهُ مُرَادًا بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَمُوا الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ تَقْسِيمًا حَاضِرًا تَوَسُّلًا بِهِ إلَى بَيَانِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَنْطِقِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَهِيَ حَرَكَاتُ الْبَدَنِ أَوْ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَهِيَ قُصُودُهَا وَإِرَادَتُهَا، وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ فَصْلٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِغَيْرِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا بِالْوُجُودِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ فَصْلٌ ثَانٍ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ كَالتَّصْدِيقِ لِطَاعَاتِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ بِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَالِاعْتِقَادُ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا بِتَقْدِيرِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَا بِتَشْكِيكِ مُشَكِّكٍ، وَهُوَ إنْ كَانَ مُطَابِقًا فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ وَسَبَبُهُ الْأَكْثَرِيُّ التَّقْلِيدُ، وَقُوَّتُهُ وَرَخَاوَتُهُ عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِ الْكُبَرَاءِ فِي النُّفُوسِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا نَفْسَ الِاعْتِقَادِ لَهَا وَبِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَصْلٌ ثَالِثٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ بِمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ عَقْلِيٍّ أَوْ لُغَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ آثَارُ خِطَابِهِ تَعَالَى الْمُتَعَلَّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ طَلَبًا أَوْ وَضْعًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي أَوَائِلِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْقَطْعِيَّةُ فَصْلٌ رَابِعٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ لِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ مِنْ الْمَظْنُونَاتِ وَغَيْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْقَطْعِيَّةِ مَا لَيْسَ فِي ثُبُوتِهِ احْتِمَالٌ نَاشِئٌ عَنْ دَلِيلٍ، وَمَعَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ أَيْ مَعَ حُصُولِهَا لِمَنْ قَامَ بِهِ هَذَا التَّصْدِيقُ فَصْلٌ خَامِسٌ أَخْرَجَ التَّصْدِيقَ الْمَذْكُورَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ هَذِهِ الْمَلَكَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ مُتَسَبِّبَةٌ عَنْ اسْتِجْمَاعِ الْمَآخِذِ وَالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَكْفِي الْمُجْتَهِدُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الَّتِي بِحَيْثُ تُنَالُ بِالِاسْتِنْبَاطِ أَيْ بِاسْتِخْرَاجِ الْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ مِنْ النُّصُوصِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِ لِتَعَدِّي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْكَائِنِ لِلْمَحَالِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إلَى الْمَحَالِّ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِمُسَاوَاتِهَا إيَّاهَا فِي الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ هَذَا عَرَفْت أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الِاسْتِنْبَاطِ بِالصَّحِيحِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَآثَرَ لَفْظَ الِاسْتِنْبَاطِ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ وَنَحْوِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ الْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ الْمَلْزُومَةِ لِمَزِيدِ التَّعَبِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ الْكَثِيرُ لُغَةً فِي اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَالتَّعَبُ لَازِمٌ لِذَلِكَ عَادَةً، وَإِشَارَةٌ أَيْضًا إلَى مَا بَيْنَ الْمُسْتَخْرَجِينَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، وَهِيَ التَّسَبُّبُ إلَى الْحَيَاةِ مَعَ أَنَّهَا فِي الْعِلْمِ أَتَمُّ فَإِنَّ فِي الْمَاءِ حَيَاةُ الْأَشْبَاحِ، وَفِي الْعِلْمِ حَيَاةُ الْأَشْبَاحِ وَالْأَرْوَاحِ.

ثُمَّ قَدْ وَضَحَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنْ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ لِأَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمِنْ قَوْلِهِ بِالْأَحْكَامِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِلتَّصْدِيقِ، وَعَدَّاهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِاللَّامِ، وَإِلَى الْآخَرِ بِالْبَاءِ؛ لِأَنَّ مِمَّا يُعَبَّرُ عَنْهُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعَدَّى إلَى أَحَدِ مَفْعُولَيْهِ بِالْبَاءِ، وَإِلَى الْآخَرِ بِعَلَى فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ وَجَعَلَ الْمُعْدَى إلَيْهِ بِاللَّامِ هُوَ الْأَعْمَالُ وَالْمُعْدَى إلَيْهِ بِالْبَاءِ هُوَ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الْمَوْضُوعُ وَالْأَحْكَامُ هِيَ الْمَحْمُولُ، وَمِنْ هُنَا قَدَّمَ الْأَعْمَالَ عَلَى الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَقْدِيمُ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْمَحْمُولِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ مَعَ مَلَكَةِ الِاسْتِنْبَاطِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ التَّصْدِيقِ، ثُمَّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ لِمَ قَيَّدَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْقَطْعِيَّةِ ثُمَّ قَيَّدَ التَّصْدِيقَ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ بِهَا بِمُصَاحَبَةِ هَذِهِ الْمَلَكَةِ؟ . وَالْجَوَابُ إنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْقَطْعِيَّةِ دَفْعًا لِمَا كَانَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْفِقْهِ هُوَ التَّصْدِيقَ لِعَامَّةِ عَمَلِيَّاتِ الْمُكَلَّفِينَ الْمَذْكُورَةِ بِعَامَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِعُمُومِ كُلٍّ مِنْ أَعْمَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ صِيغَةً وَمَعْنًى، وَيَلْزَمُ لِكَوْنِ الْفِقْهِ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الصِّرَافَةِ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يُوجَدْ الْفِقْهُ وَالْفَقِيهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْكَائِنَةِ لِلْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مَا كُلٌّ مِنْ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَيْهِ، وَمِنْ طَرِيقِ وُصُولِهِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>