للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَاتٍ) كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَهَذَا) الْعَقْلِيُّ (وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْوَضْعَ) لَهُ أَيْضًا لِإِمْكَانِ تَوَارُدِهِمَا عَلَيْهِ (لَكِنْ يَصِيرُ) الْوَضْعُ لَهُ (ضَائِعًا) لِاسْتِفَادَتِهِ بِدُونِهِ (وَحِكْمَتُهُ) أَيْ الْوَاضِعِ (تُبْعِدُهُ) أَيْ وُقُوعَهُ (كَمَا لَوْ وَضَعَ لَفْظًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى حَيَاةِ لَافِظِهِ) فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا بَعِيدٌ جِدًّا.

(وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ بِلَا) حَالَ كَوْنِهَا (مُرَكَّبَةً) كَلَا رَجُلَ بِالْفَتْحِ (نَصٌّ فِي الْعُمُومِ وَغَيْرِهَا) أَيْ الْمُرَكَّبَةِ كَلَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ (ظَاهِرٌ) فِي الْعُمُومِ (فَجَازَ) فِي غَيْرِهَا (بَلْ رَجُلَانِ وَامْتَنَعَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي كَوْنِهَا مُرَكَّبَةً بَلْ رَجُلَانِ (وَبِعِلَّتِهِ) أَيْ بِعِلَّةِ امْتِنَاعِ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلَ وَهِيَ النُّصُوصِيَّةُ لِلتَّرْكِيبِ لِتَضَمُّنِ مَعْنَى مِنْ الزَّائِدَةِ (يَلْزَمُ امْتِنَاعُهُ) أَيْ بَلْ رَجُلَانِ (فِي لَا رِجَالَ) لِلتَّرْكِيبِ وَالنُّصُوصِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ (فَإِنْ قَالُوا: الْمَنْفِيُّ) فِي لَا رِجَالَ (الْحَقِيقَةُ بِقَيْدِ تَعَدُّدٍ) خَارِجِيٍّ لِأَفْرَادِهَا بِخِلَافِ لَا رَجُلَ فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهِ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا.

(قُلْنَا: إذَا صَحَّ) فِي الْمُرَكَّبَةِ حَالَ كَوْنِهَا جَمْعًا تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ التَّعَدُّدِ الْخَارِجِيِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا فَجَازَ بَلْ رَجُلَانِ لِانْتِفَاءِ هَذَا التَّعَدُّدِ (فَلِمَ لَا يَصِحُّ) تَسَلُّطُهُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً (بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ) فَيَجُوزُ بَلْ رَجُلَانِ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَيْدِ (كَجَوَازِهِ) أَيْ: بَلْ رَجُلَانِ (فِي الظَّاهِرِ) أَيْ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ، وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ فَإِنْ قِيلَ: الْمَانِعُ هُنَا اللُّغَةُ.

قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَ (وَحُكْمُ الْعَرَبِ بِهِ مَمْنُوعٌ) بَلْ هُوَ كَلَامُ الْمُوَلَّدِينَ؛ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْعَرَبِ امْتِنَاعُ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلٌ وَجَوَازُهُ فِي لَا رِجَالٌ (وَالْقَاطِعُ بِنَفْيِهِ) أَيْ الْحُكْمِ بِهِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ (مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ وَقَدْ خُصَّ) هَذَا أَيْضًا (بِنَحْوِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢] فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخَصَّ بِشَيْءٍ أَصْلًا لِتَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِعَامَّةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَا ضَرَرَ) أَيْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» كَمَا رَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَوْجَبَ كَثِيرًا مِنْ الضَّرَرِ) بِحَقٍّ مِنْ حَدٍّ وَقِصَاصٍ وَتَعْزِيرٍ وَغَيْرِهَا لِمُرْتَكِبِ أَسْبَابِهَا (وَتَنْتَفِي مُنَافَاتُهُ لِإِطْلَاقِ الْأُصُولِ الْعَامَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ) أَيْ وَبِهَذَا الْبَحْثِ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَنْتَفِي الْمُنَافَاةُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْأُصُولِيِّينَ جَوَازَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ أَوْ السَّمْعِ الْقَطْعِيِّ نَحْوُ بِكُلٍّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ لَمْ يُرَدْ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَامِّ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ النَّفْيِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْجِنْسِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ كَمَا لَا يَصِحُّ بَلْ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّهُ شَمِلَهُ حُكْمُ النَّفْيِ لِلنُّصُوصِيَّةِ، وَدَخَلَ مُرَادًا فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُرَادٍ

وَحَاصِلُ بَحْثِنَا أَنْ لَا رَجُلَ بِالتَّرْكِيبِ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ قَيْدُ الْوَحْدَةِ فَيُقَالُ بَلْ رَجُلَانِ وَكَوْنُ الْمُرَكَّبَةِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَمْنُوعٌ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِي: لَا رَيْبَ فِيهِ قِرَاءَةُ النَّصْبِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ تُجَوِّزُهُ غَيْرُ حَسَنٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي الرَّفْعِ غَيْرُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ بَلْ تَجُوزُ إرَادَتُهُ، وَعَدَمُهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مُطْلَقًا تُفِيدُ الْعُمُومَ أَطْبَقَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ أَخْذُهُمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ اللُّغَةِ وَهُمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي أَخْذِ الْمَعَانِي مِنْ قَوَالِبِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ إنْ وَجَدْنَا الْمُتَكَلِّمَ لَمْ يُعَقِّبْ الصِّيغَةَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ حَكَمْنَا بِإِرَادَةِ ظَاهِرِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ، وَإِنْ ذَكَرَ مَخْرَجًا هُوَ بَلْ رَجُلَانِ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ النَّفْيَ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ أَوْ مَخْرَجًا آخَرَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَامِّ بَعْضَهُ نَحْوُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>